الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

حارب الظاهري للشباب: مزج العربية بالإنجليزية لا يليق بلغة الضاد.. وحياتي ترحال في ترحال

حارب الظاهري للشباب: مزج العربية بالإنجليزية لا يليق بلغة الضاد.. وحياتي ترحال في ترحال

يكتب بروح الشاعر، وينقب في الواقع اليومي، يمارس التحليق بالخيال إلى عوالم غير مطروقة، متمسكاً في كل حرف وكلمة بخصوصية المكان بأسلوب أدبي مميز، يقبل على السرد بالتعلم من حكمة الصمت، وعبر الصمت يقرأ الحياة والوجوه، مخترقاً عوالم جديدة بالتروي والتأمل، إنه الروائي والشاعر والكاتب حارب سعيد الظاهري، صاحب «مندلين» و«قبلة على خد القمر» و«شمس شفتيك»، و«نبض الروح»، و«ليل الدمى»، وأخيراً «عين الحسناء».



وقال الظاهري في حواره مع «الرؤية» إن مرحلة صباه وشبابه كانت عبارة عن ترحال في ترحال، متنقلاً من مكان إلى آخر، حاملاً معه في حله وترحاله هاجس الكتابة الشعرية الذي لازمه منذ الصغر.



وأكد أن مزج شباب اليوم اللغة العربية بالأجنبية في الحديث مسخ للغة واجتراح لا يليق بلغة الضاد، ناصحاً إياهم بعدم تقليد الآخر والبحث عن أنفسهم وذواتهم عبر المغامرة والسفر.. وتالياً نص الحوار:



*في البداية.. حدِّثنا عن بدايات اكتشافك لموهبتك الأدبية.

منذ الصغر كان لدي هاجس في الكتابة الشعرية، كانت عبارة عن خواطر بدأت في النشر في الدوريات مثل زهرة الخليج وبعض المجلات العربية والمحلية، وهذا الهاجس دفعني إلى البحث عن الكتب، بينما كانت تخلو مدينة العين من المكتبات التي تلبي الطموح، وقبيل الانتهاء من المرحلة الابتدائية رحلت مع عائلتي إلى مدينة أبوظبي، الرحيل الأول الذي شكل لي الوله إلى مكان الولادة والأصدقاء وحارة البيوت المتلاصقة ببعضها، فمن مدينة الجبال والرمال الزعفرانية إلى مدينة البحر وبداية التكوين الآخر وبحارة الروضة وسط أبوظبي. أتذكر، كانت مدرسة أم عمار الثانوية للبنات وكان يقام بها معرض للكتاب ما فتح أمامي آفاقاً على أدب المهجر وحياة الأدباء والكُتاب الكبار.





*كيف كانت بداية الانطلاقة خلال فترة الشباب وبعد التخرج مباشرة؟

بعد الثانوية رحلت إلى الولايات المتحدة وكان رحيلاً آخر يضاف إلى رصيدي، وإلى جانب الدراسة الجامعية اهتممت بالكتابة وتواصلت بمراسلة مجلة زهرة الخليج وكانت هناك مجلة للطلبة الإماراتيين تصدر عن سفارة الإمارات بواشنطن، فكنت من المساهمين في الكتابة بها.





*كنتَ من المؤسسين لنادي القصة في اتحاد الكُتاب، حدثنا عن بدايات التأسيس.

بعد التخرج من الجامعة والعودة إلى الإمارات في بداية التسعينات، بدأت النشر في الصحف المحلية، وفي منتصف التسعينات بدأت مع زملاء لي بتأسيس نادي للقصة في اتحاد الكُتاب، وكان وقتها لنشر القصة صدى كبير في الساحة الثقافية، من ثم تأهلت لعضوية اتحاد كُتاب الإمارات، وبعدها بفترة وجيزة أصبحت رئيس فرع أبوظبي، ما أتاح لي معرفة كثير من الأدباء على الساحة المحلية والعربية، وبعدها انتُخبت رئيساً لاتحاد الكُتاب، ما جعلني أشارك في اجتماعات اتحاد الكُتاب العرب وبهذا اقتربت من نخبة الكُتاب العرب وساهمت في بناء علاقات أدبية سواء من خلال معارض الكتب أو المؤسسات الثقافية التي نلت شرف عضويتها مثل جوائز أنجال سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان المهتمة بالطفل العربي.





*ما أبرز التحديات التي واجهتك؟

التحديات كثيرة لكن أهمها رئاستي لاتحاد كُتاب الإمارات، وكان الاتحاد أيامها في ظرف مالي صعب، استطعت أنا وزملائي التغلب على هذه الأزمة المالية، فيما كان التحدي الآخر أن تعمل على إدارة نخبة من الكُتاب منهم الأكبر سناً ولديهم مزيج من الأفكار، لكن عملت على التغلب على هذه التحديات في الفترات المتعاقبة من إدارتي لمجلس الإدارة، وبالهدوء وازنت بين عملي في شركة بترول أبوظبي وإدارتي لمجلس إدارة الاتحاد ومشاركاتي الخارجية ومساهمتي في المؤسسات الثقافية.





*ما الذي تذكره من تفاصيل سفرتك الأولى خارج الدولة؟

كان عمري لا يتجاوز 15 عاماً حين قرأت إعلاناً في الصحف لدراسة اللغة الإنجليزية وقررت السفر دون مرافق، وفي الطائرة تفاجأت بوجود زملاء دراسة متوجهين إلى مدينة سكابرا في بريطانيا، واحتضنتني أسرة بريطانية في بيتها لمدة لا تتجاوز شهرين، شأني في ذلك شأن الطلبة العرب والإسبان الذين كانوا يفدون إلى المدن البريطانية لتعلّم اللغة من منبعها، فكانت أسرتي تلك تتكون من زوجين حديثي الزواج.





*ما الذي أدهشك بشكل أكبر خلال هذه الرحلة؟

كان لدى هذه الأسرة حرص كبير على أوقات وجبات الطعام ما عدا الغداء، فسألتني إذا ما أفضل الغداء في البيت فأجبت بنعم لأن لدي فسحة من المعهد تكفي للعودة وتناول وجبة الغداء، فقالت الزوجة كونها تعمل بأنها ستدع أمها تعد يومياً الطعام لكن كانت المفاجأة بأن الوجبة المعدة لي لا تعدو كونها شريحة من الخبز محشوة بالخضار والجبن، أي لا تغني ولا تسمن من جوع، فلاحظوا عدم تناولي الغداء بالمنزل بينما أمها تتجشم عناء المجيء من أجل إعداد الطعام حتى اتفقت معهم بأني لن أحضر للغداء.

وكانت الدهشة الأخرى مع أستاذي الذي هو جاري أيضاً، وكنا نسير على الأقدام إلى المعهد الذي أدرس فيه، وأحياناً نخرج في المساء للحديث عن عادات وتقاليد العرب التي يتوق لسماعها، وذات مرة قرر أن يذهب معي لقرية قريبة وبصحبة صديق لي، فقال لي كلفة وقود السيارة عليك فأجبته بكل سرور، فلما جاء موعد الرحلة وأحضر سيارته قلت له من أين لك بهذه السيارة، فأجاب ضاحكاً هذه سيارتي لكن كلفة الوقود عالية الثمن، لذا لا أستعملها إلا للمسافات البعيدة، فلما توقفنا لتعبئة السيارة بالوقود أخرجت 100 جنية استرليني لأدفع كما هو متفق فأخذها وأعادها إليّ مرة أخرى، فقلت له لماذا؟ فقال أحببت اختبارك كوني قرأت عن العرب الكرم والسخاء.





*بمَ تنصح الشباب من خلاصة تجاربك في الحياة؟

الإنسان لا بد أن يعيش الحياة ويستمتع بها وليس شرطاً أن يقلد كاتباً أو فناناً أو حتى داعية، المهم أن يجد لنفسه شخصية جميلة، وكذلك حب المغامرة والسفر يتيح للشباب اكتشاف الذات واكتشاف الآخر، وليس بالضرورة أن يصبح هو الآخر، حين عدنا أنا وزملاء الدارسة من الولايات المتحدة لم نكن نمزج لغتنا العربية باللغة الأجنبية وكذلك الذين سبقونا، وما يحدث الآن من مسخ للغة واجتراح لا يليق بلغة الضاد.





*ماذا تروي لنا عن مدينة العين، كيف كانت خلال فترة الصبا والشباب؟

كانت مدهشة إلى أبعد حدود الدهشة، وكانت تتسم بالجمال ومحبة الناس بشكل يفوق الوصف، كانت البيوت متقاربة والجيران في ود دائم ورغم أنها كانت مشبعة بالخصوصية، إلا أنها ترحب بالقادم وتفتح البيوت ذراعيها للناس، وفي روايتي الأخيرة «عين الحسناء» تحدثت عن المدينة البكر أواخر الستينات وأوائل السبعينات، حين كانت الحياة تطل على هذه المدينة لتغيير مفاصلها وحياتها اليومية، حين بدأت تختفي بعض من معالمها وجدرانها، بدأت لهجتها المحلية تتبدل وتأخذ طابعاً آخر.



*وماذا عن سنوات التعليم آنذاك؟

كنا نقبل عليه بشغف وحب كأنه اكتشاف للذات وللحرف الذي يجذبك ويشتد إعجابك به وتسعد بالألوان وكنت أنبهر بالرواية، فالصورة الملونة كانت تشكل لنا تأملاً وإعجاباً شديداً.