الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

«طبيب أرياف».. عندما يظلل الماضي طريق البحث عن بدايات جديدة

«طبيب أرياف».. عندما يظلل الماضي طريق البحث عن بدايات جديدة

محمد المنسي قنديل

بعد أن جاوز الـ70 من العمر يستدعي الكاتب المصري محمد المنسي قنديل مرحلة مبكرة من حياته ويمزجها بالكثير من الخيال ليقدم روايته الجديدة (طبيب أرياف) التي تدور أحداثها في إحدى قرى صعيد مصر نهاية حقبة السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي.

قنديل الذي تخرج في كلية الطب عام 1975 عمل لفترة قصيرة في ريف محافظة المنيا قبل أن يتفرغ للكتابة ويحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1988 ويُصدر عدداً من الروايات والمجموعات القصصية الناجحة.



تتحدث الرواية عن طبيب شاب يتعرض للاعتقال عقب تخرجه في نهاية حقبة السبعينيات بسبب نشاطه السياسي ويفقد نتيجة لذلك حبيبته التي تتعرض لضغوط ومضايقات أمنية تضطرها للزواج هرباً من مداهمات الشرطة المستمرة لمنزل عائلتها واستجوابها المتكرر بشأن خطيبها السابق.

بعد الإفراج عنه يحصل الطبيب على فرصة جديدة بتكليفه بالعمل في وحدة صحية نائية في الصعيد يذهب إليها متأففاً ويعتبرها منفى مؤقتاً لا مفر منه لكن ما إن يستلم عمله هناك ويظن أنه بصدد طي صفحة الماضي حتى يتعقد عالمه من جديد.

يقع الطبيب في غرام الممرضة فرح. ورغم علمه لاحقاً بأنها متزوجة يقرر الاثنان الاستمرار في العلاقة وإن اختلفت نوايا وأهداف كل منهما، فهي تبحث عن بذرة تزرعها في رحمها لإنجاب طفل بعد أن فقدت الأمل في زوجها بينما هو يبحث عن شريك حياة جديد يستبدل به حبيبته السابقة ويؤسس أسرة وبيتاً.





علاقة أخرى متشابكة تمتد بين الطبيب ومأمور الشرطة الذي يورط الطبيب الشاب في لعبة الانتخابات بعد اغتيال رئيس البلاد في عرض عسكري وإجراء استفتاء شعبي على المرشح الوحيد لخلافته فيتحول الشاب المناضل سابقاً إلى ضلع رئيسي في عملية تزوير واسعة لأصوات الفلاحين.

شخصية جديدة تظهر في عالم الطبيب الشاب هي الجازية «ملكة الغجر» التي تزور مع جماعتها القرية ضمن جولاتهم المستمرة بالريف.

تجذبه الجازية في البداية لعالمها السحري المليء بالغموض والإثارة وتكاد تورطه في علاقة جنسية عابرة. لكن القدر يقف إلى جانبه ليمنعه، ويدرك سريعاً مدى بعد المسافة بينهما وانتماء كل منهما لعالم مختلف إلى أن تجمعها الأقدار معاً مرة ثانية في رحلة محفوفة بالمخاطر داخل الصحراء فيتحولان إلى صديقين متحدين ضد قهر السلطة وسطوة المجتمع.

يحاول الطبيب، الذي يتأخر ذكر اسمه إلى قرب نهاية الرواية، الفكاك من عالم القرية المتشابك واستخلاص الممرضة فرح مع جنينها لنفسه. لكن مسعاه يبوء بالفشل مثلما فشلت كل محاولاته لانتشال الفلاحين من المرض والأوبئة المستوطنة.



الرواية الصادرة عن دار الشروق في 281 صفحة من القطع المتوسط تستدعي للوهلة الأولى من الذاكرة عشرات الأعمال السابقة بداية من (يوميات نائب في الأرياف) لتوفيق الحكيم في 1937 وصولاً إلى (بيت القبطية) لأشرف العشماوي في 2019 والتي تناولت فكرة الغريب الذي يصل من العاصمة إلى قرية نائية دون إرادته سواء كان طبيباً أو قاضياً أو موظفاً عمومياً ونظرته لذلك المجتمع المعزول وتفاعله معه. لكن ثمة ما يميز (طبيب أرياف) ويضعها خارج الإطار النمطي لتلك الأعمال.