الثلاثاء - 10 سبتمبر 2024
الثلاثاء - 10 سبتمبر 2024

«دفاتر الوراق».. تطرق أبواب الانفصام العقلي بـ«السرد الواقعي»

«دفاتر الوراق».. تطرق أبواب الانفصام العقلي بـ«السرد الواقعي»

نظمت ندوة الثقافة والعلوم بالتعاون مع صالون المنتدى جلسة افتراضية لمناقشة الرواية الفائزة بجائزة البوكر في دورتها الأخيرة «دفاتر الوراق» بحضور كاتبها الأردني المتميز جلال برجس.

لا تستند «دفاتر الوراق» إلى منطق واقعي لذلك على القارئ أن يقبل اللعبة بحضور شخصيات والأحداث وتداخلها معاً، فالرواية رمزية تشير إلى الواقع ولا تلتصق به للواقع، حيث إن مريض الذهان الذي تسرد الرواية قصته يرى ما لا يراه الشخص العادي ويدخل عوالم أوسع وأكثر ضبابية بين الحلم والحقيقة وهي حيلة بارعة من الكاتب لقول ما يريد بالشخصية.

وعلى الرغم من ضخامة الرواية وعدد صفحاتها إلّا أنها اتسمت بسهولة لغتها المضبوطة والمدروسة من حيث ربط الشخصيات والأمكنة والأحداث وكأنها شبكة عنكبوتية متواصلة ببراعة فائقة.





الجائزة والرسالة

وخلال الجلسة الافتراضية، قال الكاتب جلال برجس إنه «مهموم بكتابة الرواية، وإنه يكتب لردم هوة معتمة في نفسه وموجودة لدى الكثيرين، مؤمناً أن هناك هوة في النفس تشكلت جراء ما يحيط بالإنسان العربي بشكل خاص تحتاج إلى الردم والمعالجة».

«استغرق إنهاء الرواية بحسب برجس ثلاث سنوات، قضاها في رسم تفاصيل الشخصيات والأحداث، متخذاً من إبراهيم الوراق بطل الحزن والأحلام والانكسارات والشروخات، شخصية رئيسية لروايته التي ينطلق في معظم شخصيات الرواية وأمكنتها وأزمنتها، من القاع إلى مستقبل عربي لا يرسم الروائي ملامحه ولكنه يطلق مجموعة من الأسئلة حياله».

وأكد برجس أن «معايشته مع شخصيات الرواية جعلته يتلبس الحالة ويعيش حياة البطل، وكأنه هو من وقع في كثير من المآزق نتيجة لتلك المعايشة، منوهاً بأن فوز الرواية جعله يشعر بوصول كلمته لشريحة أوسع من القراء عربياً ودولياً وانتقال كلمته العربية لفضاء آخر».

وتابع: في هذه المرحلة من الحياة يعتبر الواقع أكثر خيالية من الخيال، بما يعيشه الفرد من غرائبية فائضة عن الحد.

وذكر الحاصل على جائزة البوكر لهذا العام، أن «كثيراً من أحداث الرواية مستمدة من واقع حقيقي، فكثير من شخصيات الرواية خاصة الشخصيات التي يتقمصها البطل تربطها علاقة في الأحداث والانكسارات والشروخ، وأن التبعثر في شخصيات الرواية مقصود لبلوغ القارئ ذائقة النص والتفاعل معه».

ومن يتعمق في قراء الرواية، يشعر بأن كاتب «دفاتر الورّاق» كشف الكثير من أسراره الدقيقة، عبر شخصيته المحورية إبراهيم، التي نجح أن يجمع في تفاصيلها بين مكوّنات الشر والخير في تركيبة غريبة، لا توجد إلا في المجتمعات العربية التي ما زالت ترسم حدوداً بين المثقف والجماهير، بين المثقف والسلطة، وبين المثقف وعالميه الواقعي والمتخيل، وتصنيفه كشخصية وهمية، تعيش داخل إطار من الفرجة، بحيث لا أحد يتعاطف معه، حتى حين تحل عليه كارثة تراجيدية.



المفاجأة

وخلال مشاركتها في الجلسة النقاشية -التي أدارتها الكاتبة عائشة سلطان-، قالت الكاتبة الدكتورة بروين حبيب إنه «يمكن إدراج الرواية تحت مظلة الأدب المفاجئ، الذي يخرج على القارئ بين الحين والآخر بما هو غير متوقع يعيد لنا الثقة في النتاج الأدبي، مع أنّه ليس حقيقياً رغم واقعيته، وليس خيالياً رغم مرجعيته اللسانية، وأشكاله التعبيرية غير الملموسة».

وأوضحت أن «رواية الورّاق رواية عجيبة، تجعل العقل لا يهدأ خلال قراءتها أو بعدها، فهي رواية تأملية بامتياز، وفي نهايتها يشعر القارئ أنه يفتح النافذة وينظر إلى الشارع بحثاً عن أبطالها الذين رسموا أحداثها».

صدف غير منطقية

وترى الكاتبة أمل صقر أن دفاتر الوراق من الأعمال التي تحث القارئ على الانتهاء منها دفعة واحدة، إلّا أنها وجدت بعض أحداثها غير مبررة وتعتمد منطق المصادفة المصنوعة، وهذا تجلى بوضوح عندما تم وضع المرأة في الرواية في صورة الضعيفة والمغلوبة على أمرها والتي تعاني من القهر والاغتصاب.



من يملك الحقيقة؟

ومن جهتها، أوضحت الكاتبة تيسير شويخة أنها «شعرت في كتابة الكاتب بلمسة إبداعية عمادها الذكاء والحنكة، خاصة عندما وضع تصرفات البطل تحت غطاء الانفصام والمرض النفسي الذي لم يعطٍ القارئ مجالاً للتساؤل لأن الأساس هو المرض النفسي الذي يعتبر مبرراً لكثير من اللامعقول».

ولكن هناك بعض الخيوط -بحسب تيسير - أفلتت من الكاتب ولكنها ذابت في وهم السرد في اللامعقول الذي هو أساس العمل الروائي، وتظل سطور الرواية تحث القارئ على البحث دائماً للإجابة عن سؤال وحيد وهو من يمتلك الحقيقة؟.

حيلة الفصام

وعن مآخذها حول الرواية، أوضحت الكاتبة سلام بدر الدين أنها «توقفت أثناء قراءتها للرواية عند مصادفاتها غير المعقولة وكذلك إصابة البطل بحالة نفسية غير مبررة، وخاصة أن البطل كان ذا فكر وأيديولوجية مغايرة تستطيع استيعاب الآخر، فمنطق الصدف في الرواية غير مستوعب بالنسبة للقارئ، وتلبس البطل شخصيات متباينة فيها تضارب متعدد الانفصام ما يمكن أن يربك القارئ ويجعله رافضاً بعض الأحداث».

وأضافت أن «الرواية ارتكزت على نقطة مميزة وهي الانفصام العقلي، وهي حيلة سردية بها مجازفة يمكن أن تجعل كل ما في الرواية قابلاً للنسف والتوقف أو الاستمرارية، ليشعر القارئ من خلال السطور أنه أمام مريض انفصام عقلي، ومريض الانفصام لا يتشكل بشخصيات متعددة، ولكنه يتخيل عوالم ويرى بها أشخاصاً يحدثهم، يحدثونه، ولكنهم غير موجودين».

حضر الجلسة نخبة من المثقفين بالإمارات، وعلى رأسهم الدكتور عبدالخالق عبدالله والدكتورة مريم الهاشمي.