الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

التراث الإماراتي.. قدم راسخة في التاريخ وخطوات وثابة نحو المستقبل

وصف شباب مواطن التراث الإماراتي بأنه ليس ماضياً وانتهى بل، مؤكدين أنه ماضٍ ينمو في الحاضر ويتطلع للمستقبل، مشيرين إلى أنهم وضعوا مقولة الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»: من لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له، أما أعينهم، الأمر الذي ساعد كل من يعيش على أرض الإمارات بقدم راسخة في الماضي وخطوة وثابة للمستقبل من دون أدنى شعور بالتناقض.

وأكدت شباب استطلعت «الرؤية» آراءهم أن التراث الإماراتي حاضر بقوة في أسلوب حياتهم اليومية، لا سيما أنه يتسم بالمرونة ويمكن استلهام العديد من عناصره في مجالات حديثة مثل التصميم والذكاء الاصطناعي وإدارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مشددين على أن الهوية الإماراتية مصدر فخر لهم، حيث لم يمثل تراث الآباء والعادات والتقاليد عائقاً في يوم من الأيام يقف أمام التحضر والتقدم.

في الوقت نفسه أكد فنانون لـ «الرؤية» أنه طوال السنوات الماضية، لم تخلع الدراما الإماراتية عباءة التراث عن كتفيها، بل ظلت مسكونة به، مع مراعاتها في الوقت نفسه، لطبيعة التطور الذي شهدته الدولة، والذي انعكس جلياً في مشاهدها، فهي لم تنس أوجاع أبناء المجتمع قديماً، ولم تغفل عن نهضة الوطن حديثاً.

وأكد فنانون إماراتيون شاركوا في الدراما التراثية الإماراتية على قيمتها الفنية لهم وللجمهور من كل الفئات العمرية، مشيرين إلى أن هذا النوع من الدراما حقق تطوراً كبيراً وملحوظاً في السنوات الأخيرة، وواكب صناعه متطلبات المشاهد المعاصر مع استخدام طرق فنية لنقل قيمة التراث وقيمه بشكل غير مباشر، إلى الأحيال الجديدة في إطار الحفاظ على الموروث الشعبي بطرق فنية جمالية.

خزائن التراث



تحرص الشابة عائشة آل علي، صاحبة مشروع لتنظيم الحفلات والمناسبات، على الاستلهام من خزائن التراث الإماراتي التي لا تنضب في عملها، مشيرة إلى أنها تتلقى طلبات كثيرة من عملائها بتنظيم حفلات مستوحاة من التراث الإماراتي لمناسباتهم الأسرية.

وتؤكد أنها حريصة على الالتزام بالعادات والتقاليد الإماراتية عبر ارتداء الشيلة والعباية في كل المناسبات التي تشرف على تصميمها، منوهة بأنها تعاملت مع مختلف الجنسيات ولاحظت قبول الجميع، للهوية الإماراتية التي نحرص عليها.

وتؤمن آل علي بأن التراث الإماراتي قريب للإماراتيين وغير الإماراتيين، مشيرةً إلى أن هنالك العديد من مشاريع ريادة الأعمال الناجحة التي تتمسك بالتراث المحلي، في ظل الحداثة والتطور.

مرونة



يرى مصمم المواقع الإلكترونية الإماراتي ناصر البناي، أن محتوى الموروث الشعبي يتحلى بالمرونة لذلك يمكن تقديمه في قوالب عصرية مواكبة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مؤكداً على ضرورة تكاتف جهود المختصين والباحثين بالشأن التراثي وتعاونهم مع الشباب المختصين بالتقنيات الحديثة، لنقل المعرفة التراثية لجميع شرائح المجتمع.

ونجح البناي من خلال عمله بمعهد الشارقة للتراث في تصميم مجموعة من الألعاب والحكايات الشعبية بالموروث المحلي الإماراتي عبر تقنيات العالم الافتراضي VR وAR، ويعمل حالياً على مشروع جديد باستخدام تقنية الهالوجرام.

مرجع ثابت



اعتبرت خريجة التصميم الداخلي بجامعة زايد آمنة البستكي، التراث الإماراتي مرجعاً ثابتاً لكل ما نمر به في حياتنا اليومية، مشيرة إلى أنها استوحت مشروع تخرجها من اللبان العربي، الذي يعد أحد عناصر التراث الخليجي، حيث عملت على تصميم منتجع صحي للعلاج بالأعشاب الطبيعية.

وقالت: «نعود دوماً لخبرات الأجداد والآباء مهما تقدم بنا الزمان، فتبقى الحلول التي كانوا يلجؤون إليها، بالرغم من بساطتها، ذات أثر كبير، وهذا ما لمسناه خلال الفترة الماضية، في مسألة الوقاية من الأمراض وتقوية المناعة، حيث عاد معظمنا للطب البديل عبر استخدام اللبان يومياً بتبخير البيت، أو تناول الأعشاب الشعبية وغيرها العديد من عناصر التراث التي لا غنى عنها».

صديق مؤثر



وصف أحمد القادري، الطالب بجامعة عجمان، التراث الإماراتي، بالصديق الحاضر والمؤثر في حياته اليومية حيث يلتزم بالزي الإماراتي، فضلاً عن اهتمامه ببعض الفنون الشعبية كالرزيف واليولة خلال الفعاليات والمناسبات.

ويقول: «يمكن استلهام العديد من عناصر التراث في جوانب التصميم المختلفة، فعلى سبيل المثال إن رغبت بتصميم حملة إعلانية سأحرص على إضافة لمسات تراثية في تصميم بروشور وإضافة كلمات من الرمسة الإماراتية».

الدراما والتراث

حقائق التاريخ



يؤمن الفنان الإماراتي عبدالله المقبالي، بأن الأعمال الدرامية التراثية، من أكثر الأعمال التي تجذب الشباب، لاسيما وأن صناعها يستعينون بتكنولوجيات حديثة لا سيما في السنوات الأخيرة، الأمر الذي أضاف إليها إبهاراً يجذب الشباب باللغة التي يفهمونها.

وأكد المقبالي أن لدى الدراما التراثية المحلية القدرة على الكشف عن حقائق التاريخ، لاسيما وأنه توافرت لها كل عناصر النجاح، من حيث طاقم العمل، المؤلف الذي يعرف أدق التفاصيل عن تراث وطنه، مع الاستعانة بالمراجع والبحوث الكثيرة التي دونت التراث الإماراتي وحفظته.

ويرى الفنان الإماراتي أنه لا خوف على الدراما التراثية، لأنها تخضع لعمليات بحث واستقصاء دقيقين، حيث يستعين صناع الدراما بخبراء متخصصين ومراكز متخصصة بالتراث قبل البدء في العمل.

تطور لافت



أكد الفنان الإماراتي حمد الكبيسي أن الدراما التراثية تطورت كثيراً وبشكل لافت للانتباه حتى أصبح لها متابعون في الوطن العربي خارج دول الخليج، مشيراً إلى أنها ساهمت في جذب شباب الممثلين والجمهور لأنها تراعي وعيهم بشكل معاصر، يوصل المعلومة لهم بشكل يتناسب مع طريقة حياتهم التي يعيشونها.

وأشار إلى أن هذه الدراما تساهم في الحفاظ على الهوية، حيث تلقي الضوء على أسلوب الحياة القديمة تاريخياً واجتماعياً، فهي ليست أعمالاً توثيقية فقط، بل هي درامية توثيقية ومن الضروري تواجدها بصورة أكبر، مشيراً إلى أن هذا النوع من الأعمال يحفظ التراث لتتمكن الأجيال القادمة من رؤية مجتمعها في الماضي، ويتعرفون على مراحل مر بها الوطن حتى وصل إلى هذه المرحلة التي أصبحنا فيها في المراكز الأولى على مستوى المجالات.

نجاح المعادلة



ويرى الفنان الإماراتي ماجد الجسمي أن الدراما التراثية نجحت في جذب الشباب، مشيراً إلى أن هناك أعمالاً في فترة زمنية ليست بعيدة نجحت في تحقيق معادلة تقديم التراث في صورته التقليدية المغلفة بروح العصر.

لكنه عاب على بعض الأعمال التي أخذت في تكرار القصص والمضمون في السنوات الأخيرة، الأمر الذي ساهم في تسلل الملل إلى الجمهور وابتعد عن متابعتها.

وأشار إلى أن صناع هذه الدراما يحرصون على الاستعانة بالمتخصصين في التراث، حيث لا يقتصر حضورهم على الورق فقط بل يتعدى ذلك إلى حضور التصوير لمراقبة طريقة نطق المفردات وتصحيحها للفنانين في حال كانت الكلمة غير مستعملة بشكل كبير في الحياة، لهذا تكون المادة الفنية عالية الأصالة والجودة بحيث لا توجد فيها أخطاء يمكن أن تثير الجدل.

ودعا صناع الدراما إلى تقديم محتوى تراثي سريع الإيقاع يناسب الشباب، كأن يتم تقديم أعمال تراثية بطريقة «لايت» وبنكهة كوميدية تجذب المشاهد -الأطفال والمراهقين- وتعرفهم عبر هذه الطريقة على التراث المحلي، خصوصاً أن هذا النوع من الأعمال لديه القدرة على إيصال رسائل إنسانية تعيد نشر الثقافة الخاصة بالموروث الشعبي والعادات والتقاليد والكثير من الأمور التي تعيد القيم.

إقبال كبير



ولا يقف الأمر عند حد استحضار التراث في الدراما بل يتعداه إلى برامج فنية ورياضية تراثية عديدة تغري الشباب بمعانقة الماضي في حاضرهم.

يضع مطر الحبسي، الملقب بصاحب المهارات الرفيعة، والحاصل على المركز الأول ببطولة فزاع لليولة في نسختها الـ18، هو والكثير من الشباب الإماراتي مقولة القائد المؤسس والوالد الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»: من ليس له ماضٍ، ليس له حاضر ولا مستقبل، لذلك يتمسكون بفنونهم التراثية الشعبية، التي تزخر بها الإمارات، لعل أشهرها اليولة التي يؤديها الشباب وأيضاً الشواب في المناسبات والأعراس.

وأشار الحبسي إلى «تمسك شباب اليوم باليولة والذي يتضح من إقبال الشباب والصغار على حلبات اليولة ومسابقاتها وفعالياتها المقامة في كل أنحاء الدولة، وتطور الأمر من الاستعراض بالبنادق القديمة إلى اللعب بالعارضة، وأصبح لليولة قواعد ثابتة بعد أن كانت حركاتها عشوائية».

امتداد طبيعي



يعتقد اليويل وقائد فرقة صقور المقبالي الحربية محمد المقبالي أن اليولة امتداد طبيعي لحرص أبناء الإمارات على توارث العادات والتقاليد بما فيها اقتناء السلاح والاستعراض به، واكتساب المهارات اللازمة لإجادة هذه الفنون وتعليمها لأبنائهم من الأطفال وصغار العائلة.

وأوضح المقبالي أن إيمانه بأهمية الفنون التراثية في الحفاظ على الهوية الإماراتية دفعه لتكوين فرقة صقور المقابيل منذ ربع قرن والتي يبلغ عدد أعضائها 30 فرداً، وتشارك في إحياء حفلات العرس.

أصالة وتفرد



وصف عبدالله الشاعر عضو فرقة دبا الحربية، الفنون الشعبية بالتراث الأصيل المنحدر من عادات وتقاليد شعب الإمارات التي عرفها منذ عصور قديمة، وتمسك بها عبر السنين، وظلت تنتقل من جيل إلى جيل بأدائها المتناسق مع إيقاع الصحراء والبحر، لإيمان أبناء الإمارات برقي هذه الفنون وقدرتها على ترسيخ الهوية الإماراتية.

وأضاف أن الإقبال الكبير على البرامج التراثية وزيادة أعداد الفرق الشعبية دليل على اهتمام الشباب بهذه النوعية من الفنون، مؤكداً أنه فن لم يتأثر بالتغيرات الاجتماعية والثقافية، بل وجد من يقدره ويعتني به ويصونه كتراث خالد الأصالة والانفراد.

مساعد نوخذة برتبة «بروفيسور»



التفوق العلمي، لم يمنع الشاب الإماراتي أحمد سالم الحمادي، 30 عاماً، من تحقيق أحلامه بالحفاظ على استدامة عادات وتقاليد الأجداد والتراث البحري الإماراتي العريق.

واجه الحمادي اضطرابات البحر بكل ثقة وعزيمة، إذ يعد أحد الشباب الراغبين في استدامة الرياضات البحرية التراثية الإماراتية، وتفوق في ذلك المجال وحقق العديد من الإنجازات حتى أصبح بحاراً ومساعداً رئيسياً لـ«النوخذة».

يحمل الحمادي درجة الدكتوراه في إدارة المشاريع، والماجستير في إدارة المشاريع بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف من جامعة أبوظبي، ودرجة البكالوريوس في الهندسة المدنية بدرجة جيد جداً من جامعة الإمارات.

أكد الحمادي، حرصه على الحفاظ على الموروث البحري الشعبي، مشيراً إلى أن تلك الرياضات والسباقات البحرية تغرس بداخل الشباب واليافعين العديد من القيم الإنسانية والأخلاقية، لذا لا بد من استمرارها.

وثمن دعم شيوخ الإمارات لأبناء الدولة، في إحياء أنشطة الموروث الشعبي والتراث الإماراتي للحفاظ على استدامتها، بطرق تواكب العصر.

وشدد على أهمية تلك الجهود والدعم واستمرار تلك السباقات البحرية لتسهم في تذكير الأجيال الحالية بتاريخ وحياة الآباء والأجداد في الماضي واعتمادهم بصورة كبيرة على البحر الذي روضوه كمصدر للزرق والحياة بصورة عامة.