الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الكتابة الإبداعية المشتركة.. مغامرة أدبية تبحث عن صك القبول

لا تزال الكتابة الإبداعية المشتركة، مغامرة أدبية تتأرجح بين الرفض والقبول بين صناع الأعمال الأدبية، ولا تزال تدور في إطار التجارب، فلا يمكن وصفها بالظاهرة الأدبية التي تفرض نفسها على الساحة الإبداعية.. هكذا قال مثقفون ومبدعون لـ«لرؤية» التي سألتهم عن حدود هذه المغامرة ومستقبلها.

هناك فريق يؤمن بأن التأليف الأدبي المشترك يمثل انصهاراً فكرياً بين كاتبين، تنتج عنه حالة فريدة في الناتج الأدبي، كان من أبرزها تجربة الراحلين عبدالرحمن منيف، وجبرا إبراهيم جبرا، في روايتهما المشتركة «عالم بلا خرائط».

وكذا تجربة طه حسين وتوفيق الحكيم في الرواية المسرحية «القصر المسحور »، في خمسينيات القرن الماضي؛ ليقدما عملًا لا يقل إبداعاً عن «ألف ليلة وليلة».

وهناك فريق آخر لا يزال متحفظاً على فكرة الكتابة المشتركة، رافضاً الاعتراف بأنها ظاهرة أدبية فرضت نفسها على الساحة الأدبية في الوطن العربي، لها خصائصها ورموزها من الكتاب والمبدعين. وإنما تظل برأيهم مجرد حالات أو اجتهادات لا يكتب لكثير منها النجاح.

تجربة واقعية

الكاتبة الإماراتية فتحية النمر قالت إنَّ الكتابة الإبداعية المشتركة ممتعة، وقد جربتها في الإصدار القصصي المشترك «كلنا نحب البحر، «لكن لم أجربها كروايةٍ.. فعلى الرغم من أهميتها فإنها متعبة وتحتاج لتخطيطٍ جيد، وتواصل قوي، واتفاق واختلاف المفهوم والمبرر»، مشيرة إلى أن من أجمل الروايات المشتركة التي قرأتها هي «عالم بلا خرائط» للكاتب عبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا.

وأوضحت الكاتبة أنها لا تمانع في خوض تجربة مماثلة عندما تكون جادة وواضحة، «كأن يكون الموضوع محددًا، والتفاصيل مناقشة وواضحة، وكل يتولى كتابة فصل لكن هذا لم يظهر عندنا إلى الآن»، مؤكدة أن تجربتي «القصر المسحور» و«عالم بلا خرائط» استثناء يثبت القاعدة ولا ينفيها.. "فبالنظر إلى طبيعة الإبداع، نجده نشاطاً إنسانياً فردياً، يرتهن نموه بحيوات ومغذيات شخصية وحواضن مجتمعية ثقافية وسياسية واقتصادية وفنية، تجعل من العسير الاشتراك في إبداع عمل مشترك، وهو ما يطرح طيفًا واسعًا من الأسئلة، مثل كيف تتسق طبيعة أديبين أو موسيقيين مختلفتين في إنتاج منجز إبداعي، وعلى أي صورة سيكون المنجز، ومن الذي سيكون أكثر تحكمًا في إضفاء شكله النهائي.. ثم أين مفهوم الإلهام الحالم.. عصب الفن الحقيقي في المبتدأ والمنتهى؟».

شروط النجاح

ويرى الكاتب الكويتي جراح الملا أن الأعمال الأدبية المشتركة ليست مغامرة إطلاقاً وإنما هي مشاريع أدبية قائمة في العديد من دول العالم خارج الوطن العربي، الذي لا يزال المؤلف فيه يبحث عن التفرد في زمن باتت الشراكات فيه أساساً للنجاح.

وأوضح أن شروط نجاح العمل الأدبي المشترك هو «وضوح فكرة العمل والحبكة الدرامية لدى المشتركين فيه، ووجود هيئة تحرير ونقد ذات خبرة مهنية وليست شهادات أكاديمية فحسب»، لافتاً إلى أنه ليس من المفروض أن يكون هناك تقارب فكري بل العكس تماماً هو المطلوب..«ليكون المنتج الأدبي متعدد الصراعات يجذب القراء لكونه غير رتيب السرد ولكنه في الوقت ذاته مترابط الأحداث والأفكار».

وأشار الملا إلى أن من أجمل النماذج الجماعية مشروع مؤتمر بستان قلم لرعاية المواهب الأدبية الذي تبنى تدريب ١٦ فتاة ودمج أقلامهن في عمل أدبي: رواية «أسكن في مقهى».. «وهناك مشروع في مصر جمع مؤلفين مختلفين بمجموعة قصصية لقصص مختلفة لكن مرتبطة بالموضوع والزمان والمكان والحدث الرئيسي والحبكة الدرامية، إضافة إلى أنه يوجد اليوم منهج مختص تم تطويره في الكويت سيكون ضمن إنتاج دورة المعارض ٢٠٢١ – ٢٠٢٢».

الانسجام والتناغم

من جهته يرى الأديب الإماراتي الدكتور طلال الجنيبي، أنَّ التأليف الأدبي المشترك موضوع لا يمكن إبداء الرأي فيه إلا من خلال معرفة الأطراف المشاركة وإمكاناتها وتفاعلها مع بعضها البعض، وقدرتها على الانسجام والتناغم والعمل بروح الفريق، الذي يُقدم المصلحة العامة على الخاصة، مشيرًا إلى أنه متى ما جرى تجاوز هذه النقاط بنجاح، سيُمثل التأليف الأدبي المشترك قيمة مضافة وبُعدًا فطريًا متراكم الجهد، يُعطي للمنتج الإبداعي الصادر عن هذه الممارسة ثقلاً فكرياً وإبداعياً.

الكتابة فعل جماعي

وعن النماذج الثنائية الناجحة التي كانت علامة فارقة في تاريخ الأدب، أشارت الروائية اللبنانية رشا الأمير، والناشرة بدار الجديد، إلى أن رواية سجينة لمليكة أوفقير وميشال فيتوسي تعد من أفضل نماذج الإنتاج الأدبي المشترك، «حيث روت مليكة قصّتها للصحافية ميشال فيتوسي ودوّنت الصحافية الماهرة كتابًا سار بين الناس وبكلّ لغات الكوكب».

وأضافت أن دار الجديد اشترت حقوق النشر «وأوكلته للمترجمة الفذة غادة الحسيني ولاقى نجاحًا منقطع النظير وتمت قرصنته مئات المرّات بترجمات أخرى لم يستقبلها الناس بالترحاب نفسه، فالكتابة الجماعيّة في عرفها تستحق التفكير والاهتمام».

وتابعت بأن وراء كل كتاب عظيم مواهب متضافرة، "كما أن القارئ الفذ يشارك في إعادة كتابة أي كتاب، فالكتابة جدل وتلاقح وحوار، وحان الوقت للتوجه إلى نمط الكتابة التشاركية التي تعلم أصحابها الإصغاء والتواضع، ولكن شرط نجاح الكتابة الجماعية هي ارتكازها على أهمية الموهبة الفردية”.

الكتابة البحثية

وتقول الدكتورة مريم الهاشمي الأستاذ المساعد في كلية التربية بجامعة زايد، إن التأليف الجيد يحتاج لاستعداد جيد يختلف باختلاف نوع الكتابة، مشيرة إلى أنَّ التأليف الأدبي المشترك متاح على أرض الواقع سواء في الكتابة البحثية، والمؤلفات متعددة الأجزاء، خصوصًا تلك التي تبلغ مجلداتها العشرات، "فإنَّ تحقيقها يتطلب جهدًا ووقتًا أكبر، ما يجعل القيام به من قبل فريق من المحققين والباحثين ومساعديهم أمرًا محتومًا لإنجازه في وقتٍ محدد”.

وأضافت أنه يمكن اعتبار الكتب المترجمة تأليفاً أدبياً مشتركاً، حيث إن المُترجِم يعيد كتابة «المُؤلَّف الأم» بلغةٍ جديدة وصياغةٍ مختلفة ومغايرة، و«بذلك يمكن اعتباره شريكاً أساسياً للكتابة الإبداعية»، مشيرة إلى أن كل كتابة بحاجة لاستعداد جيد لتقديم نتاجٍ جيد، فالكتابة بحاجة إلى كفاءة وقدرة كتابية، التي متى توفرتا عند مؤلفٍ أو مجموعة من المؤلفين هيأت للمعادلة الناجحة للتأليف.

توجه شبابي

ومن جانبه يؤمن الكاتب الإماراتي هزاع أبو الريش بالكتابة المنفردة، ولكنه لاحظ أنه «في الآونة الأخيرة وجود إقبال كبير من شباب الكتاب اتجهوا إلى الكتابة الثنائية أو الجماعية، كنوع من التغريد خارج السرب القادر على تقديم إبداعات مبتكرة تثري الأعمال الأدبية والمكتبات العربية».

وأضاف أنه إذا تم اعتبار أن الكتابة الأدبية المشتركة مغامرة، فالإبداع دائماً بحاجة لتلك المغامرة لما لها من قوة اندفاع قادرة على إخراج كل ما هو جديد، «والزمان قادر على غربلة الأعمال الأدبية الجيدة أو الضعيفة، فالوقت الحالي وما تشهده الساحة الثقافية في كل أنحاء العالم العربي من تطور تجعلها أكثر تقبلاً لكافة الأفكار الجريئة، خاصة في عالم الكتابة الأدبية».

توقيع منفرد

ويرى الكاتب محمد عبدالله نور الدين، أنَّ تجربة الإبداع الأدبي المشترك رغم نجاحها، فهي مرفوضة عند من يرون الإبداع الأدبي نشاطاً إنسانياً وجدانياً فريداً منوطاً بنمط حياةٍ تحمل ملامح مجتمعية وسياسية واقتصادية وفنية، تطبع صاحبها ببصمة متفردة لا تتشابه ولا تتطابق ولا تندمج، وينطلق الروائي فيها من مشاعره وخبراته الحياتية، وسياقاته الثقافية، وتركيبته النفسية، ومجمل نظرته للكون؛ ليخلق عالمًا يخصه وحده، ولن ينجح في ذلك إلا بتوقيعه المنفرد.

وأضاف أنَّه "من الجائز أن يشترك البعض في كتابة عملٍ بحثي، أو أن يتناول كل مؤلف فصلاً أو جزءاً من كتب فكري أو ثقافي إلا أن قارئ الأدب يجب أن يقرأ لقلمٍ وفكرٍ واحد، في عمل غير منفصل، وغير معروف صاحب الفقرة أو صاحب الفصل يفقد النص هويته الأدبية”.