الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

شوقي بزيع رئيس لجنة تحكيم «البوكر العربية»: الرواية الإماراتية قادرة على المنافسة والفوز

يرى رئيس لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية، الشاعر اللبناني شوقي بزيع، أن الرواية الإماراتية ليست حديثة العهد، وأنها قادرة على الفوز بالجوائز الأدبية الكبرى، ولكنها بحاجة إلى المزيد من الرواج والانتشار على مستوى عالمي أوسع، وتقع مسؤولية ذلك على عاتق الجهات الثقافية المعنية في الدولة.

وتطرق في حوار له مع «الرؤية» إلى أن الجائزة العالمية للرواية العربية تحتل مكانة مرموقة في الساحة الثقافية الإبداعية العربية، معرباً عن إعجابه بالروايات الشبابية المقدمة إلى الجائزة، ولكنه كشف عن استيائه الشديد من تدني المستوى اللغوي و«ركاكة» الأسلوب في نسبة من الأعمال المشاركة في «البوكر العربية»، وطالب بزيع بمنع دور النشر التي تروّج لتلك النوعية من الأعمال المتدنية من المشاركة بالجائزة لدورة أو دورتين.

وإلى نص الحوار:

لماذا لم تقدم الإمارات روائيين قادرين على الفوز بالجائزة الكبرى في «البوكر العربية»؟

لفتني وصول أعمال روائية إماراتية إلى القائمة الطويلة في الدورة الأخيرة من الجائزة، ولكن على الإماراتيين أن يتقدموا بترشيحات أكثر، وأن يدركوا بأنهم يمتلكون عناصر اللحاق بمتطلبات العصر بما يكفي، لأن يقدموا أدباً موازياً لمثيله العربي بشكل عام، وهو ما يحصل في كل الأحوال ولكن يظل من الضروري إعادة النظر في كيفية التسويق والترويج للأعمال الروائية الإماراتية، وعلى المعنيين بالأمر أن يمنحوا تلك المسألة اهتماماً واسعاً.

وأعلم أن الرواية الإماراتية ليست حديثة العهد تماماً على الصعيد العربي. ففي العام الذي طرحت فيه أولى الروايات الإماراتية تحت عنوان «شاهندة» لراشد النعيمي، كانت الرواية لا تزال تتلمس خطواتها الأولى في معظم أنحاء الوطن العربي، باستثناء «مصر» بشكل أساسي، وباستثناء بعض الروائيين الأوائل في لبنان. إذ لم تتبلور الرواية بشكل كافٍ وتحقق قفزات كثيرة في لبنان إلا بعد «الحرب الأهلية الطاحنة»، وكأن الحرب نقلت لغة التعبير من الشعر إلى الرواية، فتغذت الكتابة والمخيلة اللبنانية من الوقائع والأحداث، وبدت الرواية وكأنها تلملم شظايا المجتمع الذي أصيب في صميمه.

وأود الإشارة إلى أن معظم الأعمال الإماراتية لا توزع بشكلٍ جيد في الخارج، وذلك بالرغم من استضافة الإمارات لمعظم المثقفين العرب. كما تمتلك الدولة القسم الأوفر من المؤسسات الثقافية وتمنح الكثير من الجوائز. وبالمقابل، لا ينال الأدب الإماراتي حظه من الرواج والانتشار بالوطن العربي. ويجب طرح تلك المسألة على المؤسسات الثقافية في الإمارات، وعلى الشعراء والكتّاب والأدباء الإماراتيين ضرورة التواجد بصورة أوسع على الساحة الثقافية بالوطن العربي بحيث يكون هناك تفاعل مع البيئة العربية الكبيرة.

ما مدى أهمية الجائزة العالمية للرواية العربية مقارنة بالجوائز العالمية؟

تحتل الجائزة العالمية للرواية العربية مكانة مرموقة في الساحة الثقافية الإبداعية العربية، ووصل تأثيرها إلى ساحة الإبداع الروائي العالمي، ونشهد إقبالاً لافتاً واهتماماً كبيراً من قبل الكتّاب والإعلام على ذلك الفن الأدبي، لما تشكله الجائزة من حوافز مهمة للكتاب.

كيف ترى مستوى الأعمال المقدمة للمشاركة؟

نوهت سابقًا بالمستوى الرفيع للأعمال التي تقدمت للمشاركة في الجائزة بدورتها الأخيرة، ولاحظت تطوراً فيها، وأشرت إلى أن ذلك يعد نتيجة لتعقيد الوضع العربي والخليط الهائل من المتغيرات التي تطرأ على الحياة العربية، فهناك «برج بابل» حقيقي على المستويات السياسية والاجتماعية والتعبيرية، ويجد في الرواية ظهيره ومتنفسه وسبيله للإفصاح عن نفسه ولا تتسع له الفنون الأدبية الأخرى رغم أهميتها.

إن شروط الجائزة فرضت استبعاد بعض الروايات، كوننا محكومين بعدد معين من المرشحين للقائمتين الطويلة والقصيرة وهو ما حرم بعض الأعمال المتميزة من أن تجد لها مكاناً في تلك اللائحتين، وأتذكر منها على سبيل المثال رواية «قيامة الحشاشين» للهادي التيمومي، ورواية «حياة الفراشات» ليوسف فاضل، وغيرها الكثير من مختلف الأعمال التي تلقتها الجائزة من مختلف أنحاء الوطن العربي، والتي لا تقل أهمية عن تلك التي وصلت إلى القائمتين الأساسيتين.





رواية الجائحة

هل أثّرت جائحة «كوفيد-19» على الرواية بوجه عام؟

لم ينعكس أثر جائحة كورونا مباشرةً على الروايات، ولكنه ساهم في إخلاد الكتّاب إلى أنفسهم، وفي العودة إلى ذواتهم بعيداً عن الوعظ والخطابة والتبشير الأيديولوجي والسياسي للتنقيب عن البذرة الحقيقية للمأساة العربية، والتي تتمثل في تعطيل العقل وغياب الديمقراطية واستشراء كل أنواع الفساد والاستبداد، وذلك يشكل مادة غنية للرواية.

ورأينا تمثلات ذلك في روايات عدة، سواءً بالنسبة للقائمة الطويلة والقصيرة أم للرواية الفائزة، حيث نرى ظلالاً لتلك التصدعات والانهيارات الدراماتيكية التي أصابت الحياة العربية. وقد ساعدت الجائحة الكتّاب على الإصغاء إلى ذواتهم العميقة، بعيداً عن ضجيج السياسة وطبول الأيدولوجيا و«التهريج» الإعلامي، ليظهر البصيص الذي يؤدي إلى الاهتمام باللغة، علماً بأن الأعمال الأدبية السابقة التي تحدثت عن الجوائح الماضية صدرت في فترة زمنية لاحقة وليس بوقت حدوثها.

من جانب آخر، أود الإشارة إلى أن الجائزة تلقت مشاركة 3 أو 4 روايات دارت تفاصيلها حول الجائحة، وكانت تلك الأعمال «الأردأ» من بين كل الأعمال المرشحة في الجائزة.

تدني المستوى

تحدثت عن تدني مستوى بعض الأعمال المرشحة، فما الأسباب؟

هذا من الأمور الطبيعية التي تحدث على مستوى جوائز الآداب والفنون بوجه عام، ويمكن القول إن القمم لا تصنع إلا من قبل السفوح، فلولا المنخفضات لما حصلنا على القمم. فكما أنه هناك روايات شاهقة وعالية هناك روايات متدنية تلامس الـ50%.

كما لاحظت وحذرت من وجود نسبة معينة من الأعمال الروائية المقدمة تعاني من انخفاض مستوى التعبير اللغوي، ووجدت أن البعض لا يمتلك ناصية اللغة، ورأيت روايات تشكو من «الركاكة» والوهن الأسلوبي، والضحالة بالنسبة لأدوات اللغة، وهو ما دفعني إلى إلقاء اللوم على طرفي العلاقة من المؤلفين الذين لا يمتلكون أدواتهم اللغوية بصورة كافية، والناشرين طمعاً في زيادة المبيعات ولا يأبهون بمستوى الأعمال التي يطبعونها أو يقدمونها إلى القراء أو الجوائز الأدبية.

ما الحل لمواجهة تدني مستوى اللغة و«ركاكة» الأسلوب في بعض الروايات؟

ليس هناك حل سحري يمكن أن يعالج أزمة الرواية في يوم أو يومين أو سنة أو سنتين، ولكن هناك عملاً دؤوباً ومتواصلاً ينبغي إنجازه، يستند إلى طرفي العلاقة «الناشر والمؤلف». فعلى المؤلف أولاً أن يدرك أن الكتابة الإبداعية تتطلب في الحد الأدنى قدراً من الموهبة العالية وامتلاك شروط الإبداع في زمن بلغت الرواية أعلى المستويات عربياً وعالمياً. وعلى الناشر، أن يهتم بما ينشره، وذلك من خلال تكليف مدققين لغويين يعملون على تحرير النص وتنقيحه. وعلى الجائزة أن تعاقب «الناشرين المستهترين» الذين يقدمون أعمالاً رديئة بحرمان إصداراتهم من التقديم إلى الجائزة لعام أو عامين، على أن يرجع ذلك لتقدير لجنة التحكيم. وفي المقابل يمكن تكريم دار نشر في كل دورة، والتنويه عن أعمالها المنشورة وجهودها المميزة.





المبدعون الشباب

ما رأيك في الأعمال الروائية المقدمة من الكتّاب الشباب؟

هناك علاقة بين العمر والإبداع، ولكنها تتسم بالتعقيد، فلو نظرنا إلى تلك العلاقة في إطار الشعر ستبدو أكثر وضوحاً، فعادة ما نشهد غليان الشعر بالعروق في فترات الشباب، فطرفة بن العبد لم يتجاوز عمره الـ25 عاماً وترك إسهامات كبيرة في الشعر العربي، بينما الرواية تعتمد على الحياة المنقضية والتذكر والإبداع باللغة، لذا عادة ما يكتب الروائيون في سن متأخرة وكثيراً منهم بدأ بعد سن الـ50. ولكنني تفاجأت بأعمال شبابية غاية في الإبداع تشارك في «البوكر العربية».

وأشير إلى أن الجائزة تلقت نسبة كبيرة من الأعمال الروائية الشابة، والتي تؤكد أن الشباب بإمكانهم المنافسة على صعيد الرواية كغيرها من الفنون لأنهم ينتمون إلى عصر جديد يختصر الأزمنة والمسافات ويقدم لهم وجبات شديدة الدسامة على الأصعدة العلمية والفكرية المختلفة.

ما رسالتك للراغبين بالمشاركة في الجوائز الأدبية؟

إن الجوائز تحمل وجهين مختلفين؛ إذ يمكن أن تكون محفّزة على مزيد من العطاء أو تأخذ الكاتب نحو الاسترخاء والثمل بما حققه من إنجاز. كما أن تأثير الجوائز على الفائزين تعتمد على الممنوحين أنفسهم، فالنجاح في الجوائز الأدبية يجب ألا يكون سبباً في دعوة الكتاب إلى النوم على الحرير، بل يجب أن يكون ذلك حافزاً على مزيد من العطاء والإبداع والمكابدة والجهد والحفر بالداخل والتنقيب بالنفس البشرية وفي تمزقاتها للبحث عن الجوهرة الأثمن للكتابة وليس عبر البهرجة الإعلامية والشهرة الزائفة.