الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«زعتر الجبل البري».. قصة حب من زمن آخر!

«زعتر الجبل البري».. قصة حب من زمن آخر!

الطبيعة بطلة فيلم زعتر الجبل البري

يمكن تصنيف فيلم زعتر الجبل البري Wild Mountain Thyme بأنه فيلم من زمن آخر، زمن ما قبل كورونا وفوضى السوشيال ميديا وانتشار الإنترنت وظهور الفضائيات واندلاع الحرب العالمية الثانية!

تشعر، وأنت تشاهد هذا الفيلم، أن أحداثه تدور منذ 70 أو 80 عاماً، وأن هذه الجزيرة الأيرلندية البدائية النائية التي تدور فوقها الأحداث يصعب أن تكون موجودة بهذا الشكل الآن، وأن هذه الشخصيات البريئة، كما ولدتها أمهاتها، لم يعد لها وجود في عالم اليوم.

ولولا أن بطلة الفيلم «روزماري» (إيميلي بلانت)، تنتقل فجأة، بالقرب من نهاية الفيلم، إلى نيويورك سيتي ليومين، فنرى ناطحات السحاب ومعالم المدينة الحديثة فندرك أن أحداث فيلمنا لا تدور في الماضي البعيد وأن هناك بالفعل -على الأقل كما يتخيل المخرج والكاتب جون باتريك شانلي- مثل هذه أماكن ومثل هؤلاء البشر!

يدور «زعتر الجبل البري» حول قصة حب رومانتيكية بقدر ما هي غريبة وكوميدية بين اثنين يتصادف أنهما آخر فرد في عائلتين كبيرتين متجاورتين من ملاك الأراضي الزراعية، الشابة هي «روزماري» القوية الشجاعة، المتمسكة بتقاليد الريف والمحبة للحياة التقليدية البسيطة، والشاب هو «أنطوني» (جيمي دورنان).





«روزماري» تعيش مع أمها الأرملة (دربلا مولي)، و«أنطوني» يعيش مع أبيه الأرمل (النجم كريستوفر والكن في عودة بعد غياب طويل إلى الشاشة). «روزماري» تتبادل و«أنطوني» الحب منذ الصغر، ولولا أنه خجول غريب الأطوار، ولولا أنها خجولة لا تملك جرأة أن تعرض عليه الحب، وهكذا تمر السنوات، ويموت آخر الكبار ولا يبقى غيرهما على تلك الأرض الخضراء الشاسعة.

أجمل ما في الفيلم هو التصوير الذي يبدو كلوحات فنية تلتقط روح هذه القرية الأيرلندية، فكأنك سافرت إليها والتقيت سكانها، وشربت معهم وأكلت من يخنة الزعتر البري التي يتميزون بصنعها. وتضفي الموسيقى والأغاني الأيرلندية الشبيهة بأشعار الرعاة والتي تعتمد على آلات القرب والناي الأيرلندي الشهير سحراً خاصاً، بل إن عنوان الفيلم مقتبس من إحدى الأغاني التي تتردد عبر الفيلم، وتتغنى بجمال الحياة الريفية.





ويتميز الفيلم أيضاً بالمشاهد الكوميدية الصاخبة، مثلما يحدث عندما يجري أنطوني «بروفة» عرض الزواج مع حمار، ويراه أحد عجائز القرية فيفضحه مشيعاً أنه يحب الحمارة، أو الحوار الطويل الذي يدور بين البطلين في بيتها بالقرب من نهاية الفيلم.

يصور «زعتر الجبل البري» صعوبات الحياة في هذه القرية المهجورة المحرومة من كل رفاهيات الحياة الحديثة، حيث تمطر السماء طوال العام، ولا تشرق الشمس إلا نادراً، وحيث يعيش المرء جنباً لجنب مع الحيوانات الطيور والحشرات، المفيدة أحياناً، والضارة أحياناً، حيث الوحدة والنهارات القصيرة والليالي الموحشة.

تستطيع أن تستشعر ذلك من خلال الفيلم بشكل غير مباشر، لكن صناع الفيلم يؤكدون المرة تلو الأخرى، بانتماء قومي يليق بالأيرلنديين، أن هذه البقعة من الأرض هي الجنة!

في زمن الكورونا والأوضاع الاقتصادية المنهارة، يبدو «زعتر الجبل البري» مهرباً خيالياً مناسباً، خاصة لأصحاب القلوب الرومانسية الحالمة، إذ يغادرون عالم الأزمات ويقضون نحو ساعتين إلا ربعاً، في جزيرة أيرلندية بعيدة وسط شخصيات ودودة، جذابة، ومضحكة.



لكن هذا «المهرب» تعكره للأسف بعض العيوب الفنية وعلى رأسها افتقاد علاقة إيميلي بلانت وجيمي دورنان للكيمياء السينمائية التي يجب أن تتوفر بين ثنائي التمثيل في أفلام الحب، وهذه الكيمياء ليس لها قواعد محددة، بقدر ما هي نتاج لتفاعل سري غامض بين عنصرين، وليبين الفرق نذكر دي كابريو وكيت وينسلت في «تايتانيك» أو أنطوني هوبكنز وإيما طومسون في «بقايا النهار» أو ميشيل فايفر ودانيل داي لويس في «عصر البراءة» أو عمر الشريف وفاتن حمامة في «نهر الحب».. والأمثلة أكثر من أن تحصى.

هذه الكيمياء السحرية مفتقدة بين بلانت ودورنان، وليس لذلك علاقة بتمكن كل منهما من أداء دوره بإجادة، ومن الغريب أنها موجودة بين العجوزين كريستوفر والكن ودربلا مولي رغم ظهورهما القصير على الشاشة.



المشكلة الثانية تتعلق بالسيناريو، وبالتحديد عدم وجود سبب واضح يمنع الاثنين من الشروع في علاقتهما العاطفية، ورغم أن الفيلم يذكر أسباباً، لكن أي منها غير مقنع، فمرة لأن «أنطوني» يفقد خاتم الزواج الذي أعطاه له أبوه، ومرة لأنه لا يثق بنفسه بالقدر الكافي، ومرة لأنه يعاني من هلاوس يعتقد بسببها أنه نحلة وليس إنساناً!

ويزيد من تأثير المشكلة أن كل هذه الأسباب الواهية، بل السخيفة أحياناً، تتعلق بـ«أنطوني» فقط، بينما «روزماري» مولعة في حبه منذ طفولتها، دون أن نعرف لماذا، حتى أن المشاهد قد يشعر أحياناً، بسبب حماقة «أنطوني» ورفضه المستمر لها، بالغضب منه والدهشة من إصرارها على التمسك به.