الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الأب.. رجل ينسل منه العمر والذكريات وخيط رفيع بين الواقع والوهم

الأب.. رجل ينسل منه العمر والذكريات وخيط رفيع بين الواقع والوهم

من الصعب أن نخلط بين فيلم الأب بأي فيلم هوليوودي آخر عن المرض والمعاناة. الفيلم يحكي قصة رجل يعاني خرف الشيخوخة، ولكنه لا يستدر العواطف أو يبالغ في الأحداث جلباً للتعاطف، أو الشفقة.

ببساطة فيلم واقعي يسرد لنا تجربة الخرف يجسدها واحد من أعظم ممثلي هوليوود أنتوني هوبكنز.

الفيلم الذي تشهده دور السينما بداية من 26 فبراير مقتبس من رواية للكاتب والمبدع الفرنسي فلوريان زيلر، عرضت على مسارح برودواي ولندن. ونقل زيلر المسرحية أو حولها إلى سيناريو فيلم بالشراكة مع كريستوفر هامبتون، وتولى أيضاً إخراجها، ما ساهم في الحفاظ على روح العمل الدرامي ونقله بامتياز إلى الشاشة الكبيرة.



والحقيقة أن تألق «الأب» يكمن في الطريقة التي يُظهر بها الخرف في الوقت نفسه من داخل التجربة وخارجها. هذا التزامن هو المفتاح.

ولم يحاول زيلر أن يسهل الأمر على المشاهد، ويمنحه انطباعاً مباشراً، لأنه لم يرسم أبداً خطاً يسهل تمييزه بين ما يراه أنتوني (هوبكنز) وما هو موجود بالفعل، لم يمنحنا مطلقاً لقطة من منظور أنتوني، متبوعة بتصحيح. وبدلاً من ذلك، نرى كلاً من الواقع والوهم في الوقت نفسه وعلينا أن ندقق في انطباعاتنا.

ومع ذلك، حتى ونحن نجاهد، مثل أنتوني، لمعرفة ما يحدث، يمكننا تتبع ردود فعل ابنته (أوليفيا كولمان) والأشخاص المحيطين به من الخارج. لذلك نحن في داخل الحدث، مع الأب، نشعر كيف يكون الحال عليه أو مع الآخرين، وكيف يكون الحال معه.

وأي واحد منا مر بتلك التجربة عبر شخص محبوب قريب منه، سوف يعرف الكثير في «الأب»، يدرك أن أنتوني قد يفقد عقله، ولكنه لا يفقد شخصيته أو ذكاءه.

لذلك يمكنه أن يجادل بشكل مقنع بأنه يجب أن يبقى في شقته بمفرده، بغض النظر عن قدرته على العناية بنفسه، ولأنه الوالد - شخصية السلطة - يمكنه جعل الابنة تصدق ذلك تقريباً.





ويمكنه أيضاً أن يجعلنا نتأرجح في تعاطفنا معه وإحساسنا به، وهو يلتقي بالعاملة في مجال الرعاية الصحية الشابة الجميلة (إيموجين بوتس)، فيفتن بها على الفور، ولكنه بنفس السرعة ينقلب عليها. يستمر في فقدان الأشياء ويتخيل أن الناس يسرقونها منه!

وبالمثل، يواصل الإصرار على أن هناك محادثات ومواقف حدثت، لكنها في الواقع لم تحدث. وبعض هذا مضحك، ولكن على طريقة «شر البلية ما يضحك» لأنك لا تملك في النهاية سوى التعاطف معه.

في فيلم «الأب» نرى رجلاً ينزلق إلى البحر، لكننا نختبر ذلك بشكل عميق، لذا يبدو لنا أن البحر هو الذي يأتي إلينا. رجل يتفتت عقله مثل جبل جليدي، وما يتبقى هو أجزاء من عالم الأحلام، وأحياناً وجه الابنة الأقل حظاً.

الابنة «كولمان» التي تصور لنا مشاعر الخوف والذنب والشك والإرهاق ممزوجة ببقايا شغف وحب لامرأة لم تكن محبوبة بشكل كافٍ وهي طفلة.

يبهرنا هوبكنز بدقة أدائه وسيطرته على أدواته، براعته في الطريقة التي يلتقط بها الإشارات الجسدية للخرف، تحول الوزن، والتغيرات في طريقة المشي.

يتحول ذلك الممثل المخضرم إلى شخص شفاف، يتيح لنا معرفة شخصيته ودوافعه وأحاسيسه من الداخل، كرامة تتخفى وراء واجهة منهارة متداعية، ورعب طفولي يطل من العيون، وتحذير لكل الباقين على قيد الحياة ومعرضين لما مر به من خرف ونسيان.