الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

Bliss.. أشباح الواقع الافتراضي تضل الطريق إلى المستقبل

Bliss.. أشباح الواقع الافتراضي تضل الطريق إلى المستقبل

يلعب فيلم «النعمة» Bliss مع المشاهد لعبة طالما رأيناها في العديد من الأفلام التي ظهرت خلال العقدين الأخيرين، وهي إلغاء المسافة بين الواقع والخيال، حيث كانت السينما التقليدية تحرص على التمييز بينهما دائماً.



بين ماتريكس والنعمة

لدينا هنا شخصيتان: جريج (أوين ويلسون )، الذي يخسر أسرته وعمله، وإيزابيل (سلمى حايك)، العاهرة المدمنة التي تعيش بلا مأوى. يلتقي الاثنان في لحظة يائسة من حياتيهما، فتقوم إيزابيل بإقناعه أن العالم الذي يعيشان فيه ليس إلا وهما، أو محاكاة “simulation” للواقع، قام النظام بإنشائها لاستعباد البشر، مثلما يحدث، في سلسلة أفلام «الماتريكس»، عندما يكتشف البطل أن الحياة التي يعيشها ليست إلا تصورات تدور في رأسه، بعد أن قامت أجهزة الكمبيوتر بالاستيلاء على العالم، وتحويل البشر إلى عبيد لإنتاج الطاقة.

لكن بمرور الأحداث يظهر جانب آخر من الحقيقة، وهو أن هذين البائسين يهربان من قسوة وقبح العالم، بالعيش في عالم افتراضي تتيحه لهما مخدرات من نوع خاص، تجعل العالم «الحقيقي» يبدو لهما وكأنه واقع افتراضي.

يحاول «الماتريكس»، على نهج كثير من العقائد والفلسفات الشرقية، تحرير عقل الإنسان من عبودية «الواقع» والانطلاق لرؤية ما هو أبعد وأعمق وأكثر جوهرية من الحياة اليومية الزائفة التي تستعبدنا بتفاصيلها وقوانينها غير المهمة.

ويحاول فيلم «النعمة» أن يضيف إلى هذه الفكرة التي تتردد في الكثير من الأعمال السينمائية الحديثة، عن طريق الإيحاء بأن «المخدرات» قد تكون حلاً للهروب من بؤس الواقع إذا استطاع الذين تحت تأثيرها أن يقنعوا أنفسهم بأن الحياة ليست إلا وهماً، وأن خيالاتهم هي الواقع الحقيقي الصحيح!



القفز للمستقبل

تدور أحداث «Bliss» في المستقبل، وعلى طريقة أفلام الخيال العلمي الحديثة يرسم صورة متشائمة لمستقبل يسوده الفقر والاضطرابات السياسية وانسحاب مساحات الواقع أمام الواقع الافتراضي الذي تفرضه التكنولوجيا.

ولكن حتى لو افترضنا أن الواقع الذي نعيشه لا يستحق أن نتعامل معه كشيء حقيقي، فإن الوسائل المعروضة للهروب منه هي أكثر لا واقعية منه، وفوق ذلك تجعل هذا الواقع أكثر بؤساً لمن يتجاهله، ويفضل أن يعيش في الأوهام.

والمشكلة في هذا الحل الهروبي هي أن الواقع لن يتركك في حالك، وسوف يطاردك بأشخاصه وقوانينه، وسيؤدي الأمر غالباً إلى مزيد من الفقر والبؤس والمرض، وربما السجن والموت، بالإضافة إلى أن الشخص الذي يحتاج للمخدرات سيتحول بالتأكيد إلى مجرم وقاتل، وهو ما يتبين تدريجياً بمرور الأحداث.



صندوق العقل

من ناحية ثانية، ربما كانت المسألة تتعلق بالمخ وطريقة عمله، وهو ما يوحي به الفيلم في مشاهد عديدة، خاصة ذلك الجزء الذي تظهر فيه إيزابيل كطبيبة متخصصة في المخ، وصاحبة نظرية جديدة عن «صندوق العقل»، تثبت من خلالها أن تغيير «مزاج» المرء وطريقة تفكيره يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الشعور بالرضا والسعادة، أو «النعمة»، كما يشير عنوان الفيلم.



محاكاة

ومن ناحية ثالثة، قد يكون الواقع الذي نعيش فيه نوعاً من «المحاكاة» غير الواقعية بالفعل، قام النظام الرأسمالي ووسائل إعلامه بإنشائه بعد غسل عقول الناس لإقناعهم بوجوده، كما يرى عدد من المفكرين مثل الفرنسي جان بورديلارد والسلوفيني سلافوي جيجك، الذي يظهر بالفعل في أحد مشاهد فيلم «النعمة» ليتحدث عن هذه «المحاكاة» التي يعيش فيها الناس.

من ناحية رابعة، فإن الحب قد يكون الحل. وعلى الرغم من أن الحب أعمى، كما يقولون، إلا أنه أقوى رباط يمكن أن يشد المرء إلى الآخرين، وبالتالي إلى العالم الواقعي بعيداً عن الخيال.

فجريج، الذي فقد صلته بالواقع، تظل هناك شعرة صغيرة قوية تربطه بهذا الواقع، وهي حبه لابنته، إيميلي (نيستا كوبر)، وهي الشخصية الوحيدة التي نراها من منظور موضوعي أثناء بحثها عن أبيها ومحاولة إنقاذه. وبقية أحداث الفيلم نراها من خلال عيون جريج وإيزابيل فقط. ويوحي الفيلم أن حب جريج لابنته هو الشيء الوحيد الذي يعيده إلى الواقع في النهاية.





تخبط

كل هذه الأفكار مثيرة، ولكن مشكلة فيلم «النعمة» أنه يتوه بينها ولا يستطيع صياغة بناء درامي أو فكري متماسك لتوصيل أي معنى من هذه المعاني!

يتخبط مؤلف ومخرج الفيلم مايك كاهيل مثل شخصياته بين الأفكار، ويعجز عن صياغة قصة درامية مقنعة ومؤثرة، كما يعاني العمل من ضعف الإنتاج، فمن الواضح أن (ستوديوهات أمازون) أنتجته للعرض على منصتها فقط، بأقل التكاليف، ومن ناحيته لم ينجح المخرج في تلافي هذا الضعف.

وبالرغم من المجهود الهائل الذي يبذله كل من أوين ويلسون وسلمى حايك، ولكنهما يظلان مثل شخصيات الواقع الافتراضي الشبحية التي تظهر في الفيلم باعتبارها أحد أشكال المستقبل!