الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

«الطاووس».. دراما مهذبة من قاعات المحاكم تجسّد قضية حساسة

«الطاووس».. دراما مهذبة من قاعات المحاكم تجسّد قضية حساسة

الطاووس

استفاد مسلسل «الطاووس» من الأزمة التي حدثت حوله في بداية شهر رمضان، عندما اتهمه بعض أعضاء لجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى للإعلام بأنه يخالف معايير الرقابة، ويحتوي على ألفاظ نابية، ثم تبين أنها عاصفة في فنجال، لفتت الانتباه للعمل أكثر مما أضرت به. وها هو الشهر يكاد أن ينتهي وقد أثبت «الطاووس» أنه واحد من أكثر أعمال الشهر تهذيباً والتزاماً. ومع أن المسلسل يتناول موضوعاً حساساً، وهو الاغتصاب، لكنه يخلو تماماً من أي مشاهد مثيرة أو عارية. حتى مشهد الاغتصاب الجماعي قدم بطريقة تكاد تكون «رمزية»، لا توجد فيه الفتة، ولا يبين حتى وحشية ما يفعلونه عبر الزووم أو العدسة المشوهة أو زاوية الكاميرا الغريبة أو شيء مما اعتاد صناع الأفلام أو الدراما على استخدامه للتعبير عن العنف.





هناك ملاحظات نقدية يمكن أن تؤخذ على مسلسل «الطاووس»، تتعلق بالسيناريو الذي كتبه كريم الدليل، وبإدارة المخرج رؤوف عبدالعزيز، إذ يسود إيقاع بطيء وضعف في الخطوط الدرامية الجانبية من ناحية، بجانب ملاحظات تتعلق بالتصوير والمونتاج وإدارة الممثلين.

رغم هذه الملاحظات، فإن «الطاووس» عمل متماسك فنياً، جاد، يحترم القضية التي يتناولها ويحترم مشاهديه. أول ما يلفت الانتباه هو شحنة الغضب الهائلة التي يحملها المسلسل ضد ظاهرة الاغتصاب التي باتت حديثاً متكرراً في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية، خاصة تلك التي يرتكبها شباب ينتمون لطبقة الأثرياء الجدد المحتمين بالتدليل المبالغ فيه والفساد واستغلال المناصب والنفوذ.

يركز «الطاووس» على انحرافات أبناء هذه الطبقة، ربما لأنهم لا يعانون مثل أبناء الفقراء من الحرمان المادي أو الجنسي، فهم يستطيعون أن يتزوجوا أو يغيروا زوجاتهم بسهولة، ويستطيعون أن يسافروا وأن يشبعوا رغباتهم وقتما يرغبون، فما الذي يمكن أن يدفعهم إلى الحضيض باغتصاب فتاة بريئة، أو حتى غير بريئة، وبعد ذلك يحظون بحماية أهلهم الذين يفعلون كل ما في وسعهم لإنقاذ أبنائهم المجرمين.





لا يشغل المسلسل نفسه بتحليل شخصيات المنحرفين وأهاليهم، ولا بأسباب كراهيتهم للفقراء ورغبتهم في التنكيل بهم، ولا بعلاقة انحرافهم بكيفية حصول أهاليهم على المال، ولا بأسباب إدمانهم للمخدرات وعجزهم عن الحب إلا من خلال علاقات سادوماسوشية مريضة، لكن هذه الأسئلة وبعض الإجابات عنها موجودة بشكل غير مباشر.

يقدم «الطاووس» شخصيات الشباب المنحرفين وأهاليهم على طريقة الميلودراما التقليدية: أشرار بطبيعتهم وليسوا نتاج مناخ وأسباب عامة، وهو يركز على معركة الفتاة البريئة (سهر الصايغ) ومحاميها الشجاع (جمال سليمان) الذي يتطوع لتبني قضيتها والسيدة القبطية التي تستضيفها وتتبناها (سميحة أيوب) وصحفية شابة تساعدها من ناحية في مواجهة غيلان المغتصبين وأهاليهم ومحاميهم والمنتفعين من ورائهم. وبجانب الأسماء الثلاثة السابقة يضم المسلسل عدداً آخر من الممثلين الذين يقدمون أداءً جيداً لافتاً، مثل عابد عناني، في دور المجرم الرئيسي، وهبة عبدالغني في دور شقيقة الفتاة الكبرى، ورانيا محمود يس في دور الإعلامية الفاسدة، ومها نصار في دور الصحفية التي تتضامن مع الفتاة.



فكرة «الطاووس» ليست جديدة، فقد قدمتها السينما العالمية والمصرية كثيراً، وهناك مسلسل تركي شهير بعنوان «فاطمة» أو «ما ذنب فاطمة جول؟» يحمل قصة مشابهة، ومعظم هذه الأعمال تستلهم عادة من قصص حقيقية. كذلك «الطاووس» تذكر الكثير من أحداثه بقضية «فندق فيرمونت» الشهيرة، المتهم فيها عدد من أبناء مشاهير ومليونيرات باغتصاب فتاة فقيرة. ولكن التشابهات بين المسلسل والحادث ليست هي المهمة، والأهم هو أنه يناقش عدداً من القضايا الحيوية مثل الوحدة الوطنية والعلاقة بين المال والإعلام، وشراء الذمم والضمائر، وفوق ذلك كله تحول الفتاة البسيطة إلى امرأة قوية قادرة على الدفاع عن حقها وعدم التفريط فيه مهما كانت الإغراءات والتهديدات.



ينتمي جزء كبير من «الطاووس» إلى ما يعرف بدراما قاعات المحاكم، حيث تدور المعركة الأساسية داخل قاعة المحكمة، ويشبه في جزء منه الأعمال التي تركز على الكشف الإعلامي للفساد، ويركز في جزء منه على الطريقة التي تستخدم بها مواقع التواصل الاجتماعي في المعركة القضائية الدائرة وخطورة ذلك على مفهوم الحقيقة.