السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

"جومورا".."عراب" القرن الواحد والعشرين!



بينما ينتظر الكثيرون في إيطاليا والعالم الاعلان عن موعد عرض الموسم الخامس والأخير من مسلسل «جومورا» Gommorah- La Serie ، تنفرد منصة «شاهد» بعرض المواسم الثلاثة الأولى من المسلسل الذي أثار ضجة كبيرة، مترجمة إلى العربية بطريقتين يمكن أن يختار المشاهد بينهما: إما عن طريق العناوين الجانبية subtitles، باللغة العربية الفصحى، على الصوت الإيطالي الأصلي، أو عن طريق الاستماع إلى دبلجة باللغة العربية الدارجة.

«جومورا» هو واحد من أشهر الأعمال التي تتناول تاريخ المافيا الإيطالية، المعروفة باسم «كامورا» Camorra، سبقه إلى الوجود كتاب بالاسم نفسه للصحفي وكاتب السيناريو روبرتو سافيانو، صدر في 2006، وتحول بعد صدور الكتاب بعامين إلى فيلم بالاسم نفسه من إخراج ماتيو جارونى، حظي بنجاح جماهيري كبير وحصل على كثير من الجوائز الدولية، وتم توزيعه في كثير من بلاد العالم. ورغم النجاح الذي حققه الفيلم وثراء مادته الدرامية، حيث يتناول 4 قصص مختلفة من حياة أعضاء المافيا والمقربين منهم، إلا أن الكثيرين أعربوا عن أنه لا يمثل سوى جزء صغير للغاية من حكايات الكتاب، وهو ما دفع محطة «سكاي أتلانتيك» إلى التعاقد مع المؤلف روبرتو سافيانو لعمل مسلسل يتكون من عدة مواسم يقوم بكتابته وإخراجه أيضاً!



مقارنة صعبة



هل يمكن مقارنة «جومورا» بثلاثية أفلام «العراب» The Godfather لفرانسيس فورد كوبولا، أفضل وأشهر ما صنع عن تاريخ المافيا الإيطالية في أمريكا؟

بالرغم من صعوبة تلك المقارنة إلا أنها تفرض نفسها، فهناك الكثير من التشابهات في العالم والشخصيات والبناء، وهناك أيضاً كثير من الاختلافات التي يفرضها المكان والزمان، فأحداث «جومورا» تدور في مدينة نابولي الإيطالية بالأساس وقليل من المدن الإيطالية والأوروبية الأخرى، كما أنها تدور خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين على عكس «العراب» التي تدور خلال فترة الأربعينيات حتى سبعينيات القرن الماضي.

المقارنة جديرة بالتأمل، فالحياة اختلفت، وانتهى عصر الكبار الذين كانوا يقودون عصابات المافيا بطريقة عائلية تقليدية قاصرة على الرجال، ولديهم أخلاقيات وحدود للعمل، وتجاه عائلاتهم الصغيرة والكبيرة والمجتمع المحيط بهم، ويمكن استشفاف هذا التغير الحاد في الموسم الأول من المسلسل، حيث يسجن الدون بيترو سافاستانو، آخر زعيم يشبه زعماء «العراب»، لتنتقل قيادة العصابات إلى شباب ومراهقين معظمهم من الحمقى الذين ليس لديهم أي وازع أخلاقي أو إنساني أو حدود للقتل والإجرام.

في «العراب الجزء الثاني» تختلف العصابات حول حدود الضرر الذي يمكن أن يتسببوا فيه، فبعد الخمور والمخدرات الخفيفة حل عصر الكوكايين وغيره من الأنواع القاتلة، التي تحقق أرباحاً خيالية مقارنة بأنواع المخدرات القديمة. ولكن في "جومورا" فالكوكايين والمخدرات المدمرة هي التجارة الأساسية لكل العصابات.



أدوار نسائية



مقارنة أخرى جديرة بالملاحظة تتعلق بدور النساء في المافيا، ففي «العراب» لا علاقة للنساء بما يفعله الرجال، ومعظمهن لا يعرفن شيئا عن مهنة رجالهن. في «جومورا» تحاول إيما، زوجة الدون سافاستانو الاستحواذ على زعامة العصابة بعد سجنه، واستبعاد ابنها الأحمق جينارو من فرصته لوراثة عرش أبيه، وتنتهي مؤامراتها بقتلها بوحشية في عرض الشارع مثلما يحدث للرجال.

مقارنة أخيرة مهمة: بينما تقتصر القيادة والمناصب المهمة بالعصابات القديمة على أفراد العائلة، فإن البطل الرئيسي في المواسم الثلاثة الأولى من «جومورا» هو شيرو، الشاب الصغير الذكي الشجاع، الغريب عن العائلة، والصغير سناً مقارنة بكبار رجال العصابة، الذي يتنازعه الطموح للم شمل عصابة سافاستانو ومساندة جينارو لتولي مكانة أبيه، وبين خيانة العصابة والانضمام لمنافسها الأخطر سالفاتوري كونتي، الشاب الذي تمرد على سافاستانو وانفصل بعصابته في بداية أحداث المسلسل.



جو قاتم



من الناحية الفنية هناك أيضاً تشابهات ملفتة بين «جومورا» و«العراب»، أبرزها ذلك الجو القاتم الذي تدور فيه الأحداث وتركيزهما على العنف المتبادل بين العصابات الذي يصل في «جومورا» إلى حدود غير مسبوقة في القتل بدم بارد في وضح النهار للكبار والصغار والنساء، ومن ناحية ثانية هناك انتقادات توجه للعملين بـ«أنسنة» عصابات المافيا وإثارة التعاطف معهم، مع استبعاد دور الأمن والشرطة وإظهار فساد المسؤولين والسياسيين، وهي اتهامات وجهت للمسلسل بشكل حاد خاصة في إيطاليا، بالرغم من أن هذه الانتقادات ربما وراءها قلق من إبراز قوة هذه العصابات واستيلائها على أحياء ومدن بالكامل، وأيضاً قلق من كشف الفساد الحكومي المتورط مع هذه العصابات.

لكن بشكل عام فإن «جومورا» واحد من أقوى المسلسلات التلفزيونية التي يمكن مشاهدتها على المنصات، ومن أكثرها شجاعة وجرأة على كشف المسكوت عنه في تجارة المخدرات العالمية التي تصنع المليارات للمتاجرين فيها على حساب أرواح وصحة الملايين واقتصاد دول بالكامل.