الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

الابنة المفقودة.. مشاعر أم تواجه أشباح الماضي في فينيسيا السينمائي

الابنة المفقودة.. مشاعر أم تواجه أشباح الماضي في فينيسيا السينمائي

المخرجة الأمريكية ماجي جيلنهال (إلى اليمين) والممثلة البريطانية أوليفيا كولمان (يسار) والممثلة الأمريكية داكوتا جونسون أثناء حضورهن العرض الأول لفيلم The Lost Daughter خلال مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي السنوي الـ 78

تتعامل الممثلة والكاتبة والمخرجة ماجي جيلينهال مع الأمومة بدقة وصراحة في فيلمها The Lost Daughter أو الابنة الضائعة المقتبس من رواية لإلينا فيرانتي، ويتنافس على الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي.

وتدرك ماجي أن الأمومة إحساس غريزي لا يكتسب بالتعلم أو التلقين، فهي تجربة أنثوية فريدة ومذهلة وجميلة، لكنها أيضاً حالة معقدة ومبهجة وفوضوية وممتعة ومرهقة ودائمة التغير.

تدور الحبكة الروائية حول ليدا (أوليفيا كولمان) وهي أستاذة أكاديمية تقضي إجازة في بلدة ساحلية صغيرة في اليونان، وتعيش في منارة قديمة تحولت إلى بيت للعطلات بالقرب من الشاطئ.



ورغم محاولة المالك إيد هاريس التودد إليها، لكنها تصده بتهذيب وحسم، في إشارة إلى أنها لا تريد صحبة أحد، ولا تريد أيضاً أن تعتذر عن ذلك.

تذهب ليدا إلى الشاطئ مسلحة بحقيبة مكتظة بالكتب، ولكنها تلاحظ عائلة كبيرة تتشاجر في مكان قريب، وتركز على نينا (داكوتا جونسون)، وهي أم شابة تقضي وقتاً طويلاً في محاولة إجبار ابنتها على الاستماع إليها.

سرعان ما تختفي الفتاة الصغيرة، وتبدأ «ليدا» في استعادة ذكريات الماضي عندما فقدت إحدى بناتها على الشاطئ منذ فترة طويلة. فتغامر بالخروج، وينتهى بها الأمر بالعثور على الفتاة الصغيرة، وإعادتها إلى والدتها.

لكن تلك الواقعة تستدعي ذكريات مؤلمة لليدا، التي ترى بعض التشابه مع نينا، وتبدأ في اجترار الذكريات عن ماضيها، لنكتشف أنها منفصلة عن أولادها، وتعيش إحساس فقدهم رغم أنهم على قيد الحياة.



براعة جيلينهال لا تجعلنا نتخيل أن تلك هي المرة الأولى لها خلف الكاميرا، فهي تجيد اختيار المناظر واللقطات، وتحلل ببراعة نفسية الأمهات في العالم بقليل من الكلام، مع عين لماحة تلتقط أي إحساس ولو صغر وتوظف أي عنصر في اللقطة مهما بدا ضئيلاً.

الأكثر من ذلك أنها لا تصدر أبداً حكماً على أي من الشخصيات، وبدلاً من ذلك تناشد المشاهد أن يشكك في إدراكه وحكمه الخاص، وتحمل كل لحظة سكون بالقلق والترقب.

وبالنسبة لأوليفيا كولمان فإنها أجادت في لغة الجسد بوقفتها وتعبيرات وجهها ونظرات عينيها التي تنقل عوالم من المشاعر والأحاسيس.

وحقيقة لا توجد لحظات ضائعة أو من دون معنى في الفيلم. حتى بعض النظرات أو الحركة على الشاشة التي قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها عفوية، تفسح المجال لتفكك بطيء للمشهد الذي يجذب المشاهد.



كما أجادت كاتبة السيناريو والمخرجة في رسم الشخصيات المساعدة أو الثانوية، وكل دور له هدف درامي، وكل شخصية لها حكايتها ووجعها الخاص، فتشعر أن الممثلين أشبه بفرقة متكاملة موهوبة وكل دور يكتسب أهمية مهما صغر.

إضافة إلى ذلك، تضفي الخلفية الهادئة للمدينة الشاطئية اليونانية سياقًا مثيراً للاهتمام لكل من الحوار الداخلي لليدا وخيال وتوقعات المشاهد.

وتخلق المصورة السينمائية هيلين لوفارت منظراً طبيعياً يطابق سكون المدينة مع التحليل الذاتي والإحباط المتزايد - والشعور بالذنب – من جانب الشخصيات.

«الابنة المفقودة» هي تحفة فنية في الإدراك وكل ما يضعه المجتمع على الأمهات والأمومة، فيلم يجسد الضغط الواقع على الأمهات لعدم الشكوى أبداً والابتسام المستدام، حتى عندما تصرخ في الداخل.



يبدأ عرض "The Lost Daughter" في دور السينما الأمريكية في 17 ديسمبر وعلى نتفليكس في 31 ديسمبر.

مدة الفيلم 121 دقيقة وهو من إخراج وسيناريو ماجي جيلينهال وبطولة أوليفيا كولمان، داكوتا جونسون، جيسي باكلي، بيتر سارسجارد، إيد هاريس.