الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«كارلوس غصن: الرحلة الأخيرة» وثائقي يرصد رحلة هروبه!

استيقظ عالم المال والأعمال في التاسع عشر من نوفمبر 2018 على خبر مذهل، وهو اعتقال رجل الأعمال اللبناني الفرنسي كارلوس غصن، الرئيس التنفيذي لاثنتين من كبرى شركات السيارات في العالم، وهما «رينو» الفرنسية، و«نيسان» اليابانية.

جرى الاعتقال فجأة، أثناء واحدة من الزيارات الاعتيادية التي كان يقوم بها غصن إلى اليابان، وتراوحت الاتهامات الموجهة إليه بين الحصول على مبالغ وهدايا عينية بالملايين بجانب راتبه الأساسي من «نيسان»، واستغلال منصبه للتربح وتعيين بعض أقاربه في وظائف مرموقة بالشركة.



احتل خبر اعتقال غصن نشرات الأخبار العالمية، وظلت محاكمة غصن وتداعياتها محل اهتمام ومتابعة لأكثر من عام، إلى أن استيقظ العالم في نهاية ديسمبر 2019 مرة أخرى على خبر أكثر إذهالاً، وهو هروب كارلوس غصن من مقر إقامته الجبرية في اليابان، ووصوله إلى لبنان، في عملية إعجازية، يبدو فيها كأنه توم كروز في مقطع من سلسلة أفلام «مهمة مستحيلة»!

هذه القصة العجيبة كانت محور كتاب فرنسي بعنوان «الهارب.. أسرار كارلوس غصن» من تأليف يان روسو وريجيه أرنو، يتتبع رحلة صعود وسقوط رجل الأعمال الشهير. وهذه القصة هي أيضاً محور الفيلم الوثائقي «كارلوس غصن: الرحلة الأخيرة»، الذي بدأ عرضه منذ أيام على منصة «شاهد»، والذي أنتجته استوديوهات MBC وشركة ALEF ONE الفرنسية المتخصصة في إنتاج الأفلام الوثائقية.

يظهر الفيلم جانباً آخر من الصورة حول غصن، وهو مصنوع بالتأكيد من وجهة نظره، رداً على «الاتهامات الباطلة وأشكال الظلم» التي تعرض لها، حسب قوله.

يخصص الفيلم، الذي أخرجه الإنجليزي نيك غرين، خطه السردي الرئيسي لكارلوس غصن، وزوجته الثانية كارول، لروي قصة الاعتقال وصولاً إلى الهروب الكبير، مدعماً هذا السرد بتقاطعات لقطات أرشيفية ولقاءات مع قانونين وزملاء عمل ومحللين اقتصاديين وصحفيين، يبدون وجهات نظرهم في الأحداث، أو يضيفون تفصيلة هنا أو هناك، لاستكمال ملامح الصورة التي يرغب الفيلم في نسجها.



الفكرة الأساسية التي يخرج بها المشاهد من الفيلم أن قضية غصن لا تتعلق بفساد فردي، بقدر ما تتعلق بصراعات اقتصادية أكبر، بين اليابانيين والفرنسيين. بعد 17 عاماً من التعاون بين «رينو» و«نيسان» و«ميتسوبيشي» أيضاً، كان كارلوس غصن خلالها القاسم المشترك الأعظم في النجاح الذي حققته هذه الشركات، بدأ الخلاف مع رغبة الفرنسيين في مزيد من الاستحواذ وخوف اليابانيين من محاولات الفرنسيين، وكان اعتقال غصن نقلة شطرنج حاسمة في هذا الصراع.

لكن هذه الفكرة لا تعني أن غصن كان مجرد بيدق في لعبة شطرنج بين الفرنسيين واليابانيين. لقد كان لاعباً أساسياً أيضاً، والمشكلة أنه لم يلتزم بقواعد وقوانين اللعبة، وحاول الالتفاف حولها لتحقيق مصالح ومطامع أكبر. ببساطة، وكما يبدو من الفيلم نفسه، أراد أن يكون رجل أعمال مليارديراً بدلاً من أن يظل مديراً تنفيذياً يكسب الملايين فقط!



كما يظهر الفيلم، فقد تخلت «رينو» عن رجلها بمجرد اعتقاله، لأسباب ليست واضحة تماماً في الفيلم، ولعل السبب الوحيد المعلن أن غصن كان يستفز المواطنين الفرنسيين بسلوكياته العلنية على مدار سنوات، مثل الحفلات الباهظة التي أقامها في قصر «فرساي»، على حساب شركتي «نيسان» و«رينو»، وظهوره في المجلات ووسائل الاعلام كنجم مجتمع celebrity، وليس كمدير تنفيذي لشركة. وهو ما يشير إليه رئيسه السابق في «رينو»، كما يشير إلى علاقته المشوبة بالتوتر مع بعض السياسيين الفرنسيين.

فكرة أخرى تتولد عند مشاهدة فيلم «كارلوس غصن الرحلة الأخيرة»، وخاصة في الجزء الأخير المتعلق بالرحلة، هو أن المال يمكنه فعل أي شىء، حتى لو كان تهريب معتقل من واحد من أكثر بلاد العالم حزماً وصرامة.

إن المشاهد الأخيرة من الفيلم، التي تعقب وصول غصن إلى بيروت، والاحتفاء به من قبل كثير من مواطنيه، ومن قبل وسائل الإعلام، والمسؤولين الذين رفضوا تسليمه إلى الحكومة اليابانية، كلها تكشف عن جانب آخر مهم من الصورة: صحيح أن كارلوس غصن كان ضحية صراعات اقتصادية وسياسية، ولكن نجاته أيضاً تتعلق بموقعه من هذه الصراعات الاقتصادية والسياسية.

أخيراً يطرح فيلم «كارلوس غصن الرحلة الأخيرة» سؤالاً قديماً متجدداً، حول طبيعة الفيلم الوثائقي وقواعد صنعه، وحدود الموضوعية، والوظيفة التي يمكن أن يؤديها في تشكيل الرأي العام!