في نهاية هادئة تتناقض مع أدواره الدرامية، رحل شون كونري واحد من العظماء الحقيقيين في السينما، الجاسوس الذي أحبه الجميع شرقاً وغرباً، مات وهو نائم عن عمر يناهز 90 عاماً.
مات أذكى الرجال وأدهى العملاء على الشاشة وهو يعاني من خرف الشيخوخة، مات الرجل الذي تقلد لقب «الفارس» من الملكة وهو في فراشه، وبجواره رفيقة حياته وآخر زوجاته الرسامة الفرنسية المغربية ميشلين التي تكبره بعام، والتي وصفته بقولها "نموذج ساحر للرجل".
وقال عنه جيمس بوند الحالي دانييل كريج "أنا في قمة الحزن بعد أن سمعت بوفاة واحد من العظماء الحقيقيين في السينما، كان عنواناً لحقبة ونمطاً من التمثيل، ويمكن قياس الذكاء والسحر اللذين يصورهما على الشاشة بالميغاواط. ساعد في خلق وإبداع الأفلام الكبرى".
مات الرجل ذو اللكنة الاسكتلندية المحببة التي ظلت ملازمة له رغم تعدد أدواره مثل قائد الغواصة الروسية في The Hunt For Red October أو مطاردة لأكتوبر الأحمر، والملك اليوناني في Time Bandits أو لصوص الوقت، والمصري الخالد الذي لا يموت في Highlander .
هذا الفنان العظيم كانت نشأته شديدة التواضع، فقد ولد لأب يعمل سائق شاحنة، وأم تعمل في كي الملابس، وترك كونري المدرسة وهو في الـ13 من عمره، وعمل في متجر للألبان، وكان يقوم بتوزيع زجاجات الحليب في المدينة، وفي سن الـ16 التحق بالبحرية الملكية.
وبعد 3 أعوام أخرى، ترك البحرية لأسباب صحية بعد أن عانى من قرحة في المعدة. وبعدها مارس أعمالاً غريبة أخرى لتغطية نفقاته مثل، تلميع التوابيت، والعمل كموديل يرسمه طلاب مدرسة أدنبرة للفنون.
الطريف أنه اعتقد أنه يملك موهبة كروية وحاول الالتحاق بنادي مانشستر يونايتد وهو في الـ17 من عمره، ولكنه فشل في الاختبارات.
واستطاع كونري بعد ذلك أن يوفر أموالاً اشترك بها في نادٍ لرفع الأثقال، وبعد تدريبات شاقة أقنعه زميل له بالاشتراك في مسابقة مستر يونيفرسال حيث سافر من اسكتلندا إلى لندن واحتل المركز الثالث.
والأهم من حصوله على جائزة المركز الثالث أنه حصل على وعد بالمشاركة في فيلم بعنوان جنوب الباسيفيك، بعد أن رآه مساعد مخرج.
وبعد أول بروفة، ورغم اعترافه أنه لا يعرف الغناء أو الرقص، قرر كونري أن التمثيل هو حلم حياته والوظيفة التي يجب أن يمتهنها.
الطريف أنه دخل لعالم جيمس بوند والشهرة من أوسع أبوابها بعد أن انبهرت زوجة المنتج ألبرت بروكولي بأسلوبه في الغزل والقبل.
إذ شاهدته الزوجة دانا بروكولي في فيلمين هما Little People أو أناس صغار، وديربي أوجيل، وأقنعت زوجها باختباره.
ولأول وهلة لم يقتنع المخرج به، وقال إنه يشبه «عامل البناء»، ولكنه انبهر بعد ذلك بوسامته وأدائه وتجسيده للرجولة في أبهى صورها.
الطريف أن المنتج قال لزوجته «شون كونري؟ لا أحد يمكن أن يفهم كلمة مما يقولها، فأجابته الزوجة على الفور ولكن النساء سيفهمونها ويحبونها!».
ولم يكن كونري متفائلاً بدوره الأول في فيلم Dr No واعتقد أنه سيفشل، وسينتظر بجوار الهاتف طويلاً حتى يحادثه مخرج للعمل مرة أخرى.
ولكن كونري أصبح نجم شباك، وصانعاً للإيرادات العالية ورهاناً درامياً مضموناً بعد النجاح الساحق لأفلامه «من روسيا مع حبي» في 1963، Gold finger أو الإصبع الذهبية، Thunderball أو الرعد في عام 1964.
وحصل كونري بعد ذلك على أوسكار أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم Untouchablesأو المنبوذين في عام 1988.
وأصاب كونري العالم بصدمة في عام 1967، عندما أعلن أن فيلمه You Only Live Twice سيكون الأخير له في سلسلة العميل جيمس بوند، حتى إن الملكة سألته إن كان يعني هذا حقيقة؟!
ولم ينسَ الممثل العظيم نشأته المتواضعة، ومنح ملايين كسبها من أحد أفلامه لصندوق تعليم اسكتلندي دولي أنشأه لمساعدة الاسكتلنديين الفقراء على إكمال تعليمهم.
وحده كونري الذي جعل جيمس بوند متعة، شخصية كاريزمية، ورجلاً لا يضاهيه أحد في الأناقة والوسامة، وكل من جاء بعده رغم تميزهم، ظلوا في «ظل» كونري، وتحت عباءته، فقد التصقت الشخصية به والتصق بها حتى قال أحد النقاد: لا يهم من يخلف دانييل كريج، ففي كل الأحوال كونري سيظل جميس بوند الأعظم"!.