الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

شعراء عن مظفر النواب: رحل وما زالت كلماته تُلهم الملايين

غيّب الموت اليوم، الجمعة، الشاعر العراقي الكبير مظفّر النوّاب عن 88 عاماً في مستشفى في الشارقة، إثر صراع مع المرض، ما أثار حزناً عبّر عنه كثيرون في العراق والبلدان العربية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وممن عاصروه وعرفوه.

أمضى الشاعر الراحل سنوات عمره بغالبيتها خارج بغداد، لكنه بقي حاضراً في وجدان العراقيين، كما شكّل مظفر النواب رمزاً للشعر العربي الحديث والشعر الشعبي العراقي.

تأبين شعبي ورسمي كبير على وسائل التواصل الاجتماعي عقب وفاة الشاعر العراقي مُظفر النواب، حيث نعاه الرئيس العراقي برهم صالح عبر حسابه على «تويتر» وكتب: "يبقى حياً في ذاكرة الشعب مَن زرع مواقفه السياسية والوجدانية بشكل صادق، ولهذا فإن الشاعر العراقي الكبير مُظفر النواب، لا يمضي إلى العدم، فهو حيّ في ذهن كل مَن ترنم بقصائده الخالدات."

كما نعاه رئيس الوزراء العراقي مُصطفى الكاظمي، وعلّق عبر حسابه على «تويتر»: "العراق الذي طالما تغنّيت باسمه أينما حللت، وأفنيت عمرك لإعلاء مكانته، يكتسيه الحزن وهو يودّعك إلى مثواك الأخير مُثقلاً بأسى خسارة ابنٍ بارٍ ومبدعٍ لا يتكرر."





أسلوبه الشعري

تميز النواب بأسلوبه الشعري الفريد الذي كان أقرب ما يكون للغناء خصوصاً عند مواجهته للجمهور، وبخلاف تميزه في الشعر السياسي إلا أن شعره الرومانسي لا يقل عذوبة وسحراً.

نصف قرن من الغربة خارج العراق عاشها النواب بسبب مواقفه السياسية، حيث انحاز لقضايا الفقراء والبسطاء والعدل ومناهضة الاستغلال والاستعمار وأنظمة الحكم السائدة وهو ما عرضه للسجن والمُلاحقة لفترة طويلة.

عاش النواب مع عائلته الأرستقراطية ذات الأصول الهندية، في بغداد، حيث وُلِد بها في عام 1934، وكان قصر عائلته المُطل على نهر دجلة مقصد الفنانين والمُثقفين والساسة.

وكانت للمٌظفر موهبة شعرية فطرية اكتشفها معلمه بالصف الثالث الابتدائي، وفي المرحلة الإعدادية نمت موهبته الشعرية فكان ينظم الشعر وينشره في مجلة المدرسة الحائطية.

وخلال دراسته الجامعية بكلية الآداب بالعاصمة العراقية بغداد، فقد ثروته، وعانى ظروفاً اقتصادية صعبة، وفي عام 1958 وبعد انتهاء العهد الملكي بالعراق، عُيّن مُظفر النواب كمُفتش بوزارة التربية ببغداد، فكانت وسيلته لدعم الموهوبين.



تعرّض مظفر النواب للتعذيب على يد المُخابرات الإيرانية بعد مغادرته للعراق عقب الإطاحة بحكم عبدالكريم قاسم عام 1963، حيث تعرض الشيوعيون واليساريون بالعراق لحملة اعتقال واسعة فاضطر للهروب إلى إيران، وكانت خطة الهرب إلى الاتحاد السوفيتي إلا أن المخابرات الإيرانية ألقت القبض عليه، وسلمت للسلطات العراقية، ليحكم عليه بالإعدام ثم خُفف الحكم إلى المؤبد.

نجح مظفر النواب ومجموعة من السجناء السياسيين في الهروب من سجن «نقرة السليمان» بعد حفر نفق من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، ليعش مُتخفياً ببغداد ثم منطقة الأهوار.

عاد مرة أخرى إلى التعليم عام 1969 عقب صدور عفو عن السياسيين، ثم تعرض للاعتقال مرة أخرى، وخرج بعد مدة قصيرة، ليختر أن يكون حُراً بين دول عربية وأوروبية، حتى استقرّ بدمشق، ثم عاد مرة أخرى لبغداد في عام 2011.

ومن أشهر قصائده: "القدس عروس عروبتكم، وتريات ليلية، الرحلات القصية، المسلخ الدولي وباب الأبجدية، بحار البحارين، قراءة في دفتر المطر، الاتهام، بيان سياسي، وغيرها.





شاعر الضرورة

وصف الروائي والشاعر الدكتور أحمد إبراهيم الشريف، لـ«الرؤية» رحيل النواب بالخسارة الفعلية للقصيدة العربية، وذلك لأنه كان يمثل نوعاً من الشعراء الذين يمكن أن نطلق عليهم «شعراء الضرورة» هؤلاء الذين يجمعون بين الشعر والرؤية السياسية، فهم عادة ما يكون لهم مواقف، وبالفعل كان النواب مشغولاً بالقضايا العربية كما كان مهتماً بالإنسان العربي.

وأضاف الشريف: "الشاعر الضرورة يعنى أن وجوده مهم، وأنه في حالة غيابه يصبح الشعر ناقصاً لأمر ما، أي أنه ملح الشعر كما يقولون، وهي سلسلة طويلة في الشعر العربي، حيث لا يُعد مظفر النواب أولها ولا آخرها، لكنه حلقة أساسية فيها، هؤلاء الشعراء يكون لهم موقف من السلطة ومن القضايا الكبرى."

وتابع الشريف جزء مهم في شخصية مظفر النواب، أنه كان يفعل ما يقوله، وأنه لم يكن يكتف بالكلام فقط، أي أنه لم يكن يناضل بالقصيدة فقط، بل كانت له موقف دفع ثمنها كثيرا فدخل السجن حتى أنه كان محكوماً عليه بالإعدام".

ويصف الشريف قصيدة مظفر النواب بأنها: "كانت حماسية، حيث ما زالت تُلهم الكثيرين، لكنها في الوقت نفسه كانت تحتفظ بجمالها وشعريتها، نعم اعتمدت على مخاطبة العاطفة، لكنها لم تكن مجرد اتهامات أو بيانات سياسية، بل حافظ على جمالها وقوتها وصورها وتعابيرها وأثرها الجمالي لذا استحق أن يحظى بمكانة طيبة في سلسلة الشعراء العرب الكبار."



نسج الذاكرة

يمام سامي صحفية وشاعرة ورسامة عراقية قالت لـ«الرؤية» إنه من الصعب رثاء العظماء، والشاعر الكبير مظفر النواب أحدهم، فهو واحد ممن نسج الذاكرة الشعرية الحديثة للمجتمع العراقي، حيث دخلت كلماته مجسات الحس الشعري لطيف واسع من الأجيال العراقية المتذوقة للشعر حتى النخاع.

وتابعت: لم يختلف على تأثير قصائده النارية المعارض والموالي للسلطات السياسية، حيث سارت كلماته أمثالاً ومقتبسات على ألسنة أجيال حديثة هم أحفاد أولاده من الناحية العمرية.

وأضافت: إن الموقف الشجاع والكلمة الحق إن أتت بصوت شعري جهور لا توقفها حدود النفي ولا عذابات السجون التي أذيقت لشاعرنا الفقيد حتى أكلت منه معظم سنوات عمره.

وتابعت: "كان لي الشرف مقابلة الشاعر شخصياً في أبوظبي، حيث كانت جلسته كنسمة نشرت عطر السلام والوداعة والمحبة التي تفيض بها نفسه على المحبين."

وتابعت: "فاجأنا ببركان أشعاره المدوية وهو يطلقها في جلسة شعرية على مسرح قاعة المجمع الثقافي بأبوظبي، حيث تفاعل معها الجمهور الغفير بالتصفيق والبكاء والحماس الكبير. رحم الله شاعرنا الكبير وله الذكر الخالد في تاريخ العراق."



طموحات شعب

قال الكاتب والشاعر العراقي عبد الحسين الهنداوي، والذي كان على معرفة شخصية بالشاعر الرحل، إن مظفّر النواب "يلخّص التجربة العراقية؛ تجربة جيل كامل عراقي، خصوصاً الجيل الذي عاش فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية."

وأضاف أن النواب مثّل بشعره «طموحات الشعب العراقي، طموحات المواطن البسيط بالحياة الكريمة وبالاستقلال».