السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

تعب الطين.. ورحل العازف على وتر البسطاء مظفر النواب

تعب الطين.. ورحل العازف على وتر البسطاء مظفر النواب

الشاعر مظفر النواب رحل عن 88 عاماً

وكأن الشاعر مظفر النواب يتنبأ بموته، ويمهد له عندما قال: في ذرى الأطواد صمت شامل.. وسكون غشي الكون الفسيح، كل شيء مستريح هادئ، وقريباً أنت أيضاً تستريح".

ومن فكرة لبيت لصورة لقصيدة، عاش مظفر النواب حياته راضياً عن نفسه، متقبلاً مصيره، بجسد أتعبه المرض وروح أنهكها الترحال، وكأنه أحس أن النهاية قد اقتربت أو يمهد لمحبيه وداعه: (أخذت حمائم روحي في الليل، إلى منبع هذا الكون، وكان الخوف يفيض، وكنت علي حزين، وغَسَلتَ فَضاءَكَ، في روحٍ أتعَبَها الطِّينُ، تَعِبَ الطِّين.. سَيرحَلُ هذا الطِّينُ قريباً، تَعِبَ الطِّينْ).

رحل مظفر النواب راضياً عن نفسه، بعد أن خلد اسمه وذكراه بقصائده، وأبياته، ليخلف حالة من الحزن والأسى على ورقة أخرى تتساقط من شجرة الشعر الخالدة، ضمير البسطاء.



وتريات ليلية

غيب الموت الشاعر العراقي مظفر النواب عن عمر ناهز 88 عاماً، في الإمارة الباسمة الشارقة التي آوته واحتضنته بحس وطني وكرم عروبي.

مات من أعلنها «القدس عروس عروبتكم» العازف على «وتريات ليلية» وعلى نبض كل البسطاء والفقراء والمهمشين، مات من استهجن «اللون الرمادي» ومن صرخت كلماته «افضحهم»، ومن قضى حياته «قراءة في دفتر المطر».

مات مظفر النواب، ولكن كلمته لن تموت لأنها محفورة في وجدان كل عربي، تختلف أو تتفق معه، ولكنك تحترمه وتحبه، وتقدر موهبته وثباته على مواقفه، والتضحيات التي قدمها مقابل كل كلمة صادقة.



نفق الحرية

حكم على الشاعر الراحل بالإعدام، وخفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، ومع ذلك لم تستطع جدران السجن الموحشة، ولا قضبان الزنازين أن تسكته، فواظب على قرض الشعر، يدافع به عن روحه ووجدانه، ويقاوم به كل دعاة التشوه والخيانة والتمييع واللاموقف.

وعندما عانى من السجن، شارك مع زملائه المعتقلين في حفر نفق من الزنزانة إلى خارج أسوار السجن، ونجح هذه المرة، وظل متخفياً حتى صدر حكم بالعفو عن المعارضين.

نائب الشرفاء

رحل مظفر بن عبدالمجيد النواب، والنواب هنا في الأغلب كنية عن نائب الحاكم لأن عائلته كانت تحكم إحدى الولايات الهندية.

وكان له من اسمه نصيب لأنه كان نائباً عن ضمير كثير من الشرفاء والأحرار رغم اختلاف الموقف السياسي.

في الكرخ كان الميلاد، وبدا من صراخه أنه سيكون متمرداً مبدعاً، وخاصة أنه نشأ في أسرة تتذوق الفنون وتتنفس الموسيقى وتحتفي بالأدب.

ولم يطل الوقت حتى اكتشف المحيطون به موهبته في الشعر، ومنذ الصف الثالث الابتدائي، كان هو الخطيب المفوه في كل حدث أو احتفال، وهو نجم كل مجلة حائط في المدرسة.



على مفترق الطرقات

كان يؤمن «رحمه الله» أن «الوطن الآن على مفترق الطرقات» ويصرح «لا تخشوا أحداً في الحق»، ولا حلول وسط لديه «إما وطن واحد أو أشلاء» والمهمة الأساسية هي "كشف وجوه الأعداء."

المفارقة أن شهرته اكتسبها من تمرد حروفه، وعصيان أبياته، ومقاومة قصائده للتدجين، رغم أن له شعراً عاطفياً وغزلياً يفيض عذوبة وإحساساً وسحراً وحباً، كتبه باللهجة العامية العراقية التي كان يعشقها.



الطبع والتطبع

والأكثر من الشعر، أنه كان من بين قلائل من الشعراء ممن تحب الجماهير أن تسمعه، وتعشق أسلوبه في الإلقاء الذي لا ينفصل عن شعره.

وفي مواجهة الجمهور كان يندمج ويعيش حالة شعرية خاصة من الصعب أن تخرجه منها، ومن المستحيل أن تتوقعها أو تتكهن بها، ولكنك تتمنى أن تمر على خير، لأن الطبع مع مظفر، كان يغلب التطبع!

سكن الجسد، وما زالت نبرة الشوق تتعالى حزينة على عمر ضاع في المنافي «أين البصرة؟ مشتاق».