الأربعاء - 18 سبتمبر 2024
الأربعاء - 18 سبتمبر 2024

ماذا جنت إيران على نفسها والعالم من «ثورة الملالي»

على المستوى الدولي، رفعت إيران شعار الثورة ضمن خطاب سياسي في علاقاتها الدولية مع الحفاظ على الجانب النفعي في تلك العلاقة.. هنا يطرح السؤال التالي: ماذا جنت إيران على نفسها، وعلى العالم كلّه؟

بداية، علينا أن نقر تَصَوُّراً للثورة الإيرانية على خلفية السنوات الماضية يرقى إلى مستوى اليقين، وهو ذلك العجز الواضع لدى قادتها في التمييز بين مرحلة الثورة، ومرحلة الاستقلال أي مرحلة الدولة، وفترة تمكين الملالي من طرح تصور سياسي ثيوقراطي، عجز لحد الآن عن تجميع المواطنين حول المشروع الوطني في بعده العقائدي من جهة، وتعميق الهوية والانتماء من جهة ثانية، ما يعني الفشل في إيجاد دولة عصرية تسهم عالمياً في صنع الحضارة، بقدر يتساوى، أو يقترب على الأقل، من تصديرها للخوف والإرهاب والتدخل في شؤون الآخرين.

من ناحية أخرى، فإن إيران اليوم تُعتبر جزءاً من تغيير سلبي دموي شمل المنطقة كلها، بل إنها المحرك الرئيس لأحداث عنف في دولنا العربية، وهذا نتيجة حتمية لغياب الوعي بخصوصية الثورة وأهدافها، وأنها تختلف تماماً عن الدولة لجهة تحديد الأولويات، وتعميق قوة الجبهة الداخلية، والحفاظ على علاقة مع الآخر تقوم على التعايش وليس الإقصاء، وهي اليوم تجني ثمار تأييدها للفوضى في الدول العربية، والتدخل في شؤونها سياسياًّ وعسكرياًّ، إذ لا يمكن إشعال المنطقة دون أن تصيبها النار خاصة حين تطرح مسألة التغيير من زاوية استحضار الموروث التاريخي للصراع العرقي.القادة.. والهروب


يواجه قادة إيران اليوم محاكمة تاريخية من شعبهم، فقد كشفت الأحداث خلال العام الماضي أن عناصر النخبة وحشداً كبيراً من المثقفين والأجيال الجديدة، سواء التي ولدت قبل الثورة أو التي تزامنت معها أو حتى التي ولدت بعدها بعقد أو عقدين، قد أدركت أن التدخل في شؤون الآخرين هو نوع من الهروب المقصود، لذلك هي تسعى اليوم إلى التغيير استناداً إلى أدبيات الثورة، مطالبة بتحسين الأوضاع، ورافضة لسلطة استولت عن الثَّرْوة، ووظَّفَتْها، ولا تزال، لخدمة شعارات واهية، جرت الوبال على المنطقة، ووتّرت علاقاتها مع كثير من دول العالم، خاصة المشتركة معها في الجغرافيا والتاريخ، وغدت شريكاً فاعلاً من القوى المنخرطة في العنف والإرهاب في الدول العربية.


ومع ذلك كله، لا يزال النظام الإيراني، يطرح نفس الخطاب العاطفي الذي تميز به، ولم يعد له جدوى اليوم، بما في ذلك الحديث عن الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، بعد عودة العقوبات الأمريكية على إيران في مايو الماضي، والتي عصفت بالقطاع النفطي والمصرفي في البلد، وشلّت تجارته الخارجية، وقد نتج انهيار الاقتصاد الإيراني، ومعاناة محدودي الدخل، وزيادة البطالة وارتفاع الأسعار بشكل مطرد، وفقد العملة المحلية لأكثر من نصف قيمتها في العام الماضي.. إلخ.

أكاذيب

ما يؤكد استمرار النظام الرسمي السياسي في غيه، هو تعليق الرئيس الإيراني حسن روحاني على مزاعم عدد من المسؤولين الأمريكيين في أن الشعب الإيراني لن يرى الذكرى الـ 40 لـ «انتصار الثورة الإسلامية»؛ بقوله إن «شعب إيران ومن خلال إفشاله لمؤامرات الأعداء سيحتفل في هذا العام أيضًا وفي شوارع البلاد بمناسبة ذكرى انتصار ثورته»، مضيفاً أن «الولايات المتحدة غير قادرة على وضع جدار لعزل إيران عن العالم.. وأن طهران لا تخشى العقوبات الأمريكية».. فهل فعلاً هي كذلك؟

حقيقة الأمر غير ذلك، فإيران في ذكرى ثورة الملالي، قد فشلت سياسياً، ما يؤكد ذلك هو تجدد النقاش التاريخي حول سقوط الحقبة الملكية في إيران قبل 40 عامًا، مع اختلاف في هذا العام، وهو أن هناك من صار يتحدث عن وجود فرصة لعودة الملكية في إيران، وهناك من يحاول نفيها، كما فشلت كل محاولتها الخارجية في إطار محيطها الجغرافي، فمثلاً لم تتمكن من جعل الدول العربية تابعة لها بما في ذلك العراق، التي تبدو اليوم كأنها جزء منها.

والمحصلة، أن إيران فشلت في تصدير ثورتها إلى الخارج خلال العقود الماضية، باستثناء الشحن العاطفي، لذلك تصدّرها اليوم إلى الداخل دون اختيار من نظامها، وذلك ما جنته على نفسها، وما نراه من مظاهر استعراض عسكري في إطار القوة الصلبة، كما حدث في المعرض المقام بمناسبة الذكرى الـ 40 «لانتصار» الثورة، حيث تمّ عرض مختلف أنواع المنظومات الصاروخية الباليستية الإيرانية (12 صاروخاً)، لا يتناسب مع تنافس دول العالم لكسب قوة ناعمة، تتحصن من خلالها بالمعرفة والابتكار، لتكون من دول المستقبل.كتب ـ خالد عمر بن ققه

تأتي الذكرى الأربعون للثورة الإيرانية محملة بأوزار «ما بعد» قيام نظام حُكْم، طغت على أفعاله ومواقفه السياسية، عاطفة الدين في شقه المذهبي، فأفقدته البوصلة لتوجيه مسار الدين نحو التأقلم والتعايش، حين صدّر لشعبه أوَّلاً، وللمتعاطفين معه أو المؤيدين له في الوطن العربي والعالم الإسلامي ثانياً، وللرافضين للسيطرة الغربية في الدول الضعيفة هنا وهناك ثالثاً، قيم الثورة ـ الحقيقية والوهمية ـ باعتبارها مدخلاً لصنع مستقبل جديد في العلاقات الدولية، وتأكيداً لاستقلال الشعوب عن إرادة القوى الكبرى، وانتصاراً للدولة الوطنية، حتى إذا ما ذهبت نشوة الانتصار اكتشف الشعب الإيراني في الداخل، وغيره في الخارج وهْم الطرح الثوري، حيث سلطة الملالي وولاية الفقيه تكرران تجربة الشاه بلباس ديني.

لقد سارت «جمهورية إيران الإسلامية» على مدى العقود الأربعة الماضية، على خطى الشاه، باستمرارها في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى)، وعملت من أجل تصدير الثورة، إلى محيطها الجغرافي، في محاولة منها لتفكيك الجبهات الداخلية في كل دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة في البحرين، وإحداثها للفوضى، وتجنيد جماعات «تأييد» في السعودية، ثم التدخل في اليمن عبر دعم ميلشيات الحوثي، مثلما حققت تواجداً في لبنان عبر حزب الله الإرهابي، وفي العراق بعد الاحتلال الأمريكي، بل أنها تتحرك اليوم في الفضاء المغاربي، والجزائر خاصة، من منطلق تصدير التشيع، والهدف خدمة الأهداف القومية.