الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

التمس لأخيك عذراً

مع كثرة صوارف الحياة ومشاغلها، أصبح كل واحد منا غير قادر على الوفاء بحقوق مَن حوله، وكثيراً ما ننوي أن نفعل كذا أو نتصل بفلان أو نزوره وتلهينا الدنيا بما فيها، إذا كان حالنا مع أنفسنا كذلك؛ فحريٌّ بنا أن نعذر غيرنا وأن نلتمس العذر له، فلعله قد صُرِفَ بما صرفنا، والتماس الأعذار من الأخلاق التي تدل على سلامة القلب ورحابة الصدر وسمو الخلق، وقد وردت في القرآن الكريم إشارات وتوجيهات مهمة نحو هذا الخلق القويم، منها قول الله تعالى: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا» (طه)، يقول الشيخ الشعراوي شارحاً لها: «كأن الحق تبارك وتعالى يُعزِّي رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ويُخفِّف عنه ما يعانيه من كفر القوم وعنادهم بقوله له: اقبلهم على عِلاَّتهم، فهُمْ أولاد آدم، والعصيان أمر وارد فيهم، وسبق أن عهدنا إلى أبيهم فنَسِيَ، فإذا نسى هؤلاء فاقبل منهم فهم أولاد (نسَّاي) لذلك إذا أوصيتَ أحداً بعمل شيء فلم يَقُمْ به، فلا تغضب، وأرجع الأمر إلى هذه المسألة، والتمس له عُذْراً». وقال سيدنا إبراهيم لأبيه «يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا» (مريم)، حيث وضح له أن ما جاءه من العلم هو سبب دعوته له؛ لذلك فإنه يسعى لهدايته وتوجيهه، وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام، أشار القرآن إلى أدب العالم وعذره لطلابه يقول الشيخ الشعراوي: «إن العبد الصالح التمس لموسى عُذْراً؛ لأنه تصرَّف بناء على علم عنده، ليس عند موسى مثله، فقال له: (وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) (الكهف)»، وقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل كم مرة يعفو عن الخادم؟ بقوله: «تعفو عنه كل يوم سبعين مرة». (أحمد)، فأين التماسك العذر لإخوانك وأصدقائك؟ فلا تكن من يعدون الزّلات ويتصيدون الأخطاء فإن الناس تضيق بهم عذراً في تعاملاتهم، وكان من أدب العلماء أن كتبوا في أسباب اختلافهم، وما كتبوا في ذلك إلا التماساً للأعذار فيما بينهم وبيان أنهم ما أرادوا إلا الحق، وما رغبوا إلا في إصابته لكنهم أخطأوا عن غير قصد، وجاء في الأثر: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه.

تأنَّ ولا تعجل بلومك صاحباً *** لعل له عذراً وأنت تلوم