الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

هل أُنقذَ الغريق؟

هل أُنقذَ الغريق؟
قاعة الدراسة مكتظة بأصوات الطلاب الجدد، ينتظرون الأستاذ لبدء يومهم الدراسي بالجامعة، وسط القهقهات والأحاديث العفوية جالت عينا ناصر الواقف عند مدخل القاعة بحثاً عن شخص ما:

ـ آه ها هو عبدالله يجلس مع.. من هو هذا الشخص؟ (قال محدثاً نفسه).

كان عبدالله رفيق طفولة ناصر وصباه منذ أن بدآ الدارسة إلى أن وصلا إلى هنا اليوم، ها هو يجلس مع سالم يتحدثان باندماج، وتبدو على عبدالله البهجة أثناء الحديث.. تقدم ناصر نحوهما منجذباً تلقائياً إلى أسلوب سالم المرح في التعريف عن نفسه وتبادل الحديث معهما، ومنذ تلك اللحظة تحول الثنائي الحميم إلى الثلاثي المرح، وكان لهم أن اختار الرفاق الثلاثة الاشتراك في رحلة ترفيهية نظمتها الجامعة إلى منتجع شاطئي.


في أول يوم من الرحلة جلس الرفاق الثلاثة في مطعم الفندق يتناولون وجبة الفطور مع باقي زملائهم، وكعادة سالم المشاغب، تألق قائلاً:


ـ يا رفاق، كفاكم تخماً، من يرد أن يحظى بدراجة مائية للسباق فليسرع قبل فوات الأوان.

جرى سالم نحو الشاطئ، وتبعه فوج الشباب المبتهجين المغامرين، وعلى الشاطئ كانت مجموعة من الطلاب قد حظيت بالدراجات المائية، ومجموعة أخرى تنتظر دورها، وهي تشجع المتسابقين وعباراتها تمتزج بالضحكات.. انطلق السباق في البحر وتحولت بعض موجاته إلى أشكال مرسومة شكلتها الدراجات.

في معمعة اللهو التفت ناصر مبتسماً ليتفاخر بالمسافة التي اجتازها، ولكنه لمح خلف امتداد لمرتفعات خضراء في البحر دراجة انقلبت ونصف يدين تلوحان بعشوائية، صرخ ناصر مستغيثاً:

ـ عبدالله، سالم، تعاليا.

اقتربا منه، فأكمل:

ـ هناك شخص يغرق في البحر.. انظروا، علق سالم، قائلاً:

ـ دعك منه، هو بالتأكيد يلبس معطف النجاة سوف يخرج ويصعد دراجته، لا تفسد علينا مرحنا.

قال ناصر بانفعال:

ـ لا ترى منظره؟ ربما لا يرتديها.

ـ سالم: ذلك خطؤه، لا تهوّل الأمر سوف يحضر أحد ما ليتفقده.

ـ هيا لنعود.. قال ناصر معلقاً.

ـ أظنه بعيد جداً.. ردّ سالم.

قال ناصر بحزم:

ــ يجب علينا أن نساعده.

اتجه ناصر نحو الغريق، ولكنه تفاجأ من تغير مسار سالم، متجهاً نحو الشاطئ يتبعه عبدالله.

لم يتراجع ناصر وعندما وصل وجد أنه بالفعل، لم يكن الغريق يرتدي معطف النجاة.. واستطاع ناصر أن يرفعه على الدراجة.. لبث قليلاً ثم وصل قارب إنقاذ بصحبة عبدالله لإجراء الإسعافات الأولية.. وانتهت تفاصيل ذلك المشهد المخيف.

في طريق عودة الرفاق الثلاثة من الشاطئ إلى الفندق، عمهم الصمت وشرد بهم الذهول، وقطع ناصر ذلك الصمت، قائلاً:

ـ عودة ذلك الشاب إلى الحياة أغلى من لحظات المرح التي أضعناها.. أليس كذلك يا سالم؟

بقي سالم صامتاً، لكن رد عبدالله رد قائلاً:

ـ كم هي مشينة لحظة ترددي وأنا أستطيع!

في المساء التقى ناصر وعبدالله بمشرف الرحلة في استقبال الفندق، فقال ناصر قلقاً:

ـ اتصلت بسالم عدة مرات لكنه لم يجب.

علق عبدالله:

ـ وأنا طرقت باب غرفته عدة مرات ولم يفتح لعله لا يزال نائماً.

قال المشرف بأسى:

ـ لقد اتصلت بي هذا المساء امرأتان، الأولى والدة الغريق تشكرنا على نجاة ابنها، وأبلغتها بأنكما المنقذان، وهي تريد التواصل معكما لتعبر عن شكرها بنفسها.

ابتسم الرفيقان، لكن ملامح الأسى لا تزال على وجه المشرف.. فسأل عبدالله:

ـ ومن المرأة الأخرى؟

أجاب المشرف:

ـ والدة سالم كانت تبحث عنه، ولكن منذ قليل حضر رجال الشرطة وأبلغوني بأن سالم تعرض لحادث أثناء قيادة السيارة عائداً إلى المنزل ظهر اليوم، ولم يجد مغيثاً في الوقت المناسب، حتى وافته المنية.