الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

نزعات الوجدان

نزعات الوجدان
حين تجد إنساناً ما يقف على الشاطئ يسحب نفساً عميقاً ليستنشق رائحة البحر المشحونة بروائح الأسماك والطحالب المتعفنة، ورائحة خشب الساج والصل (زيت كبود أسماك القرش) المتبخرة من ألواح السفن الخشبية، والتي لا تضاهيها حينها ـ أمام تلك الرائحة المختزنة في حاسة الشَّم لديه ـ أجمل روائح الطيب والعطور.

أو تجد إنساناً ما يقف على أطراف الصحراء الممتدة يستنشق رائحة الرمال وبيوت الشَّعر والإبل، أو يقف على حملة الأودية يستنشقها، ويتفاعل مع رائحة الجبال والبرم، وزهر السمر واليبياب، وزهر السدر. والحنبل (ثمر الغاف)، فتلك هي نزعة المكان.. النزعة التي تعود بالإنسان إلى بيئته التي ولد فيها، واستنشق منها أول نفس عميق له في الحياة، وتشرب منها مبادئه وقيمه الأخلاقية.

وذلك مثله، حين تجد إنساناً يستيقظ من نومه تاركاً مهجعاً، يتحسس قلمه، أو يلجأ إلى مذكرة هاتفه المحمول ليترجم كل ما جاش في ذهنه من أفكار إيجابية على الورق.


وكذلك الأمر، عندما تجد إنساناً ما يعرك عينيه، أو يمسح زجاج نظاراته ليقرأ كتاباً، أو ورقة قد كتب عليها معلومة أو خبراً ليقرأه على مسامع من حوله ليستمتعوا معه بحلاوة الأفكار.


إن جميع تلك النزعات ـ مكانية أو حسية أو إداركية أو معرفية أوغيرها ـ هي نزعات فطرية تنادي الإنسان من أعماق الوجدان لتعود به من جديد، كلما ابتعد عن فطرته وسجيته التي فطر عليها ومن أجلها، ليحمل رسالته إلى مجتمعه.