الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

ترامب على خطى غورباتشوف.. الانهيار والهروب

ترامب على خطى غورباتشوف.. الانهيار والهروب
أثبت التاريخ أن سقوط الأمم دائماً يبدأ من داخلها، فلولا ضعف تراصّها، وتفكك وشائجها، لما اجتاحها الطامعون.

وأقرب مثال عاشه معظمنا أو رأى آثاره، ما حصل للفكر الاشتراكي والإمبراطورية السوفييتية من سقوطٍ ليس بمفاجئ للمتتبّع، فالغرب عمل على محاولة الإطاحة بالاتحاد السوفييتي، واعتبره تهديداً أشد من تهديد أعدائه التقليديين، مثل تنظيمات الإسلام السياسي، بل إن الغرب تعاون مع الإسلام السياسي ضد الروس في أفغانستان، وتصادم في فيتنام وكوبا وإيران وغيرها، لكن تلك الصراعات لم تؤتِ ثمارها رغم عظم الآلة العسكرية والإعلامية حتى «الهوليوودية».

ومن أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي أيضاً تخلي شعوبه عن إيمانهم بشعارات الفكر الاشتراكي، وتوسُّع الفجوة بين القيادات والعامة، ما أدى لضعف الجبهة الداخلية، وبالتالي تهيأت الفرصة للغرب لأن يضع أو يسيّر ميخائيل غورباتشوف، ليكمل الحلقة الأخيرة من ذلك الانهيار، حيث عمل على زيادة تلك الفجوة، وإضعاف هيبة الدولة، ما عجل بسقوطها.


يبدو أن الروس اليوم لم ينسوا تلك الصفعة التي وجّهها الغرب لأمتهم، لذلك لا يستبعد البعض انتقامهم عبر دونالد ترامب، إما من خلال ظنهم بعمالته المباشرة للروس، أو بدعمهم له، أو أنه مهّد لهم دون علمه ولا صلة لهم به، وإنما فقط قادته الظروف والصدفة.


أيّاً كان الخيار، فترامب سيكون سبباً في سقوط الأمة الأمريكية، وذلك لتحامل البيض وشعورهم بأن الأقليات أخذت جهد أجدادهم في بناء أمريكا، أضف إلى ذلك، العنصرية التاريخية وإيمانهم بتفوّق الجنس الأبيض، وشعور الأقليات بالمظلومية وسقوطهم في شراك الجريمة، والتطرف الديني، وإحساسهم بأنهم مواطنون درجة ثانية، وصراع الشركات الرأسمالية فيما بينها وتعاظم نفوذها على حساب الدولة، واستشراء الفساد الحكومي، وتصاعد الصراع الديني الإنجيلي والكاثوليكي واليهودي، وغياب البعبع الخارجي الذي يُلهون الداخل به، وفقدان الهوية والشعور بالانتماء.

لذلك يتبين أن ترامب أسهم في اطّراد تلك الأسباب وتناميها حد الانفجار، وبالمقابل رد فعل الديمقراطيين والمنتقدين له لم يكن بمستوى المسؤولية.

ومع ذلك، يجب ألّا يُستهان في التعامل مع ترامب بما يمثله من ثقل اجتماعي أمريكي، بل حتى أوروبي من اليمين المتطرف، كما أنه يمثل اللوبي الرأسمالي وطموحه في السلطة.

إذن، تحجيم سلطة ترامب، وعزله أو مقاضاته، كل هذا سيعزّز من رمزيته، وسيجعله ثائراً وشهيداً، وتحويله إلى عدو سيُغضب البيض ويحوّلهم إلى أعداء للدولة، والأفضل إعطاؤه الحرية في التعبير، ومنح مناصريه حق التظاهر، شرط عدم الاعتداء على الملكيّات، وعدم معاملته على أنه معتوه، لأن هذا سيؤجج مشاعر اليمين المتطرف واللوبي الرأسمالي.

الحلول أعلاه ناجعة لكنها طويلة الأمد، وتنفع كل الشعوب عدا أمريكا، لأنها شُرطي العالم وكل الأعين عليها، الحليفة منها أو العدوة، لذا يجب أن يكون الحل سريعاً ويرأب صدع المجتمع الأمريكي.

والحل الأوحد، كما أرى، هو دفع ترامب بشكلٍ مباشر أو غير مباشر للهروب من أمريكا إلى روسيا لاجئاً! للحل فوائد علاجيّة كخوف اليمين المتطرف من ربط اسمه بترامب، بل وتخفيض حدة جموحهم خوفاً من اعتبارهم خونة، هنا ستتخلى عنه القيادات الجمهورية، ولن تدعم أي حركة أو رأياً انشقاقياً خشية على مصالحها، وستُعزَّز فكرةُ أمريكا الديمقراطية واعتبار فترته دخيلة لا تمثلها، وعودة ثقة الداخل الأمريكي بالدولة، وتقوية الشعور بالانتماء، وطمأنة حلفاء أمريكا بعدم انهيارها، وتهدئة العالم بعدم سقوط شرطيّهم، خاصة أن العالم ليس مهيأً لاستلام الزعامة الآن.

أياً كان ما ستحمله الأيام المقبلة لترامب، فإن هذا الأخير قد أسّس، كنظيره غورباتشوف لحقبة جديدة، كما أنه يعيد إلى الواجهة مخاوف العالم من سقوط إمبراطورية مهيمنة، وما يرافقه من فوضى وحروب محلية، بل وإقليمية، وانهيار اقتصادي محتمل.