الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الصناعات الإبداعية.. وركائز الابتكار

الصناعات الإبداعية.. وركائز الابتكار
د. أمل آل علي أكاديمية ورائدة أعمال - الإمارات

في ظل المتغيرات المُتسَارعة في مجتمعاتنا المعاصرة، والتي ألقت بظلالها على نمط حياتنا اليومي اجتاحت عالمنا منتجات وصناعات جديدة لم تكن موجودة في السابق، أو على الأقل لم تكن تمارس بنفس النمط.

لقد عرف الإنسان منذ البدء مهارات مثل الحرف اليدوية والموسيقى والمسرح وصناعة الملابس أو (الأزياء)، وفنون الأداء والرسم والحرف التقليدية وغيرها، وتطورت تلك المهارات مع تطور الإنسان، لكن مع تواجد دور السينما والتلفاز والألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل، أصبحت هذه المهارات تأخذ حيزاً كبيراً من ساعات مواطني العالم أجمع، كما أصبحت تحقق قيمة اقتصادية عظمى، ما عزز ظهور مفهوم الصناعات الإبداعية.


ومصطلح الصناعات الإبداعية لم يكن معروفاً منذ 15 عاماً، إلا أن التطورات المتسارعة والتغيرات الثقافية المصاحبة للتطور التكنولوجي، جعلت الاقتصاد يعيد تشكيل نفسه، وبالتالي ظهرت مفاهيم مثل: الاقتصاد الدائري والاقتصاد الأخضر، والاقتصاد القائم على المعرفة، واقتصاد الصناعات الإبداعية، وهو المصطلح الأكثر حداثة في الاقتصاد، وفي مقالي هذا سأتطرق لتعريف الصناعات الإبداعية وأهميتها في الاقتصادات المعاصرة.


إن الصناعات الثقافية تلعب دوراً كبيراً في الاقتصاد اليوم، فمن منَّا لا يشاهد الأفلام أو يستمع للموسيقى أو يقرأ الكتب أو يطالع الصحف، فالتطور التكنولوجي المتسارع والابتكارات الحديثة كان لهما تأثيراً كبيراً ليس فقط في سهولة وصول الأفراد إلى تلك الصناعات من خلال قراءة الكتب عبر الإنترنت، أو مشاهدة الأفلام عبر نتفليكس أو يوتيوب، أو مشاركة الأغاني والمقاطع الأدائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنما أسهم أيضاً في سرعة انتشار تلك الإبداعات، حيث أصبحت الكتب تُقرأ بمجرد الانتهاء من كتابتها دون انتظار أعمال الطباعة، التي كانت تستغرق وقتاً طويلاً، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت وصول المبدعين ومنتجاتهم إلى الجمهور دون الحاجة للوسطاء. فأصبح العنصر الثقافي جزءاً من حياتنا اليومية المعاصرة.

في القرن الـ20، بدأت التقاليد القديمة للعمل الثقافي مثل: التصميم، المسرح، الديكور والأداء، تدمج مع بعضها البعض مع نطاق من النشاطات الاقتصادية الحديثة مثل الدعاية والإعلان والأزياء، وعالم الصور المتحركة، لخلق أشكال جديدة من الثقافة التجارية، وفي العقد الأول من هذا القرن الجديد تضخمت هذه التطورات بشكل كبير، بفضل نفوذ ووصول التكنولوجيا الرقمية.

ويبقى القاسم المشترك لهذه الصناعات هو قدرتها على كسب ربحها من المهارات الإبداعية، وأصبحت تعرف على أنها الصناعات الإبداعية.

ومصطلح الصناعات الإبداعية ظهر في نهاية تسعينيات القرن الماضي في المملكة المتحدة، ليصف الصناعات التي تعتمد في أساسها على العنصر الإبداعي، القادر على صناعة قيمة اقتصادية، حيث إن الفنون كانت في السابق مدعومة من الحكومات، وينظر لها على أنها هامشيَّة في تحليل الأداء الاقتصادي.

إلا أن هذه النظرة قد تغيرت مع انتشار التكنولوجيا والتقنيات، التي أسهمت في إبراز الأهمية الاقتصادية للفنون الإبداعية.

ولعل مصطلح الفنون الإبداعية في حد ذاته لا يصف ما يعرف اليوم بالصناعات الإبداعية، التي شملت جوانب عديدة في الفن والموسيقى والحرف والتصميم والكتابة والأدب والهندسة.

الصناعات الإبداعية لا تعمل في العزلة، بل تتمركز في قلب شبكة مترابطة مع القطاعات الصناعية الأخرى، وهي مصدر الابتكار لاقتصاد أشمل، خصوصاً عبر التصميم والعلامات التجارية والدعاية، كما أن لها دوراً مهماً في إعادة إحياء المدن وفي تماسك المجتمع، وهذه الشبكة العريضة غالبًا ما يشار إليها على أنها الاقتصاد الإبداعي.

إن المهارات والحرف والإبداعات الثقافية لها دور كبير في النمو الاقتصادي، وتوفير الوظائف، وقد قامت الاقتصادات الدولية بتفعيل ركائز الإبداع والابتكار في سياساتها، وذهبت دول مثل بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى اعتماد اقتصاد الصناعات الإبداعية باعتبارها محور تكوين الثروات الاقتصادية المقبل.