الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الجزائر وجيشها في مواجهة اللوبيات والاصطفاف

الجزائر وجيشها في مواجهة اللوبيات والاصطفاف
بقلم: محمد سعدي كاتب ومحامٍ ـ الجزائر

تتعرض الجزائر منذ فترة لهجومات مركزة من طرف بعض اللوبيات العالمية، التي تحاول جرها إلى مربعات الاصطفافات الدولية منها والعربية، والزج بها في الخلافات والصراعات البينية، الواقعة في العالم ككل والعالم العربي بالذات، ولكن الجزائر ـ رغم أزمتها الداخلية - نأت بنفسها عن الاصطفاف، وظلت محافظة على حيادها المعهود والمعروف من أيام الثورة التحريرية إلى اليوم في إطار فلسفة عدم الانحياز، التي آمنت بها واحترمتها إلى الآن مع احترام العلاقات البينية في جميع الظروف والحالات عالمياً وعربياً، لأن مفهوم الانحياز في العرف الجزائري هو أساساً تبعية غير مبررة واستعمار من نوع جديد، وهذا ما رفضته وترفضه الدولة الجزائرية (الفعلية) مهما كانت (مكونات المؤسسة الرئاسية الظرفية) باعتبار أن مفهوم المؤسسة الرئاسية في الجزائر متغير بتغير الرئيس، أما مفهوم الدولة فهو مفهوم (لا يزول بزوال الرجال والحكومات)، وهو المبدأ الذي وضعه يوم 19 يونيو 1965 الرئيس هواري بومدين ـ رحمه الله ـ ولا يزال قائماً رغم كل الهزات التي عرفتها الجزائر في العقود الأخيرة.

إن سياسة الدولة الجزائرية في مجال علاقتها الدولية والعربية الأخيرة، هي التي حركت الجهات المعادية لتوجهاتها تاريخياً، ومن خلالها تحركت اللوبيات المساندة والمؤيدة لها داخل البلاد وخارجها، لإحراج الجزائر عالمياً وعربياً أمام الرأي العام مستعملة منبر برلمان الاتحاد الأوروبي للتدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية، خاصة في هذه المرحلة الاستثنائية التي تمر بها، والتحولات العميقة التي تعرفها بسبب الانتخابات الرئاسية، وكذلك بسبب رفضها التام لأي تدخل خارجي فيما يجري من تحولات في كل المسارات المختلفة بمرافقة مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، والذي فاجأ الجميع بموقفه الداعم لخيارات الشعب في مواجهة مراكز القوى المنهارة.. تلك المراكز التي حكمت في العقدين الأخيرين بواسطة سياسة التوافقات المصلحية (المالية والثقافة) على حساب المشروع الوطني التاريخي الجزائري.


لقد أصبح الجيش الجزائري هدفاً للقصف من جميع الأطراف المعادية لمصلحة الشعب الجزائري، مع انخراط بعض الأصوات الإعلامية العربية في ذلك، حتى إنها تردد ما يروج له الإعلام الغربي، خاصة الفرنسي منه دون تدبر ولا تمحص، والجميع يعمل على شيطنة الجيش الوطني الشعبي وقياداته لا لشيء إلا لكون هذه المؤسسة أعلنت صراحة أنها «مؤسسة نوفمبرية باديسية»، ترفض أي إملاءات خارجية، خاصة من فرنسا وأتباعها فيما يخص سير وتسيير العملية الانتخابية برامج ومرشحين معاً، وأن الرئيس القادم سيكون من اختيار الشعب والشعب وحده، وهذا ما لم تتعود عليه فرنسا ولوبياتها في الداخل والخارج.


هذه المواقف المبدئية والصريحة أخرجت الجزائر من عباءة التيارات المتعودة على تقديم القرابين الجاهزة سياسياً وثقافياً واقتصادياً للغرب من خلال فرنسا، التي رأت أن مصالحها أصبحت في خطر، لذلك حركت كل لوبياتها ضد الجزائر وضد المؤسسة العسكرية بالذات، وهذا من أجل عرقلة العملية الانتخابية برمتها أو على الأقل التقليل من مصداقيتها أمام الرأي العام العالمي رسمياً وشعبياً، وهذا في غياب تام لموقف عربي رسمي، خاصة البرلماني منه والاكتفاء ببيان ضعيف لا يتماشى وفعل البرلمان الأوروبي الشرس والهجومي مع كل أسف.

يبقى أنه من الضروري، التنويه بأن الجزائر ماضية في خياراتها بدون اصطفاف ـ مهما تواصلت الهجمات وزادت الأباطيل من أعدائها في الداخل والخارج ـ وستنتصر إن شاء الله بشعبها وجيشها، مثلما انتصرت في السابق وفي جميع المراحل المحرجة أَحب من أَحب وكره من كره، والبقاء لله أولاً، والشعوب والتاريخ ثانياً ما أراد لهما المولى من تعمير في الزمن.