الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

حب العربية.. والخروج من الغرق

حب العربية.. والخروج من الغرق
قرأت في الأشهر الأخيرة الماضية كثيراً من المقالات وسمعت أكثر من مقابلة عن حال اللغة العربية في هذا الوقت.. هذا غير النشاطات الرسمية وسواها من حراك يريد ـ كما يقول أصحابه - تأليف قلوب العرب ليدعوهم إلى التمسك بلغتهم.

لقد كثر الكلام عن اللغة فلا تكاد تجد أحداً لم يدلِ برأيه في المسألة.. ولا أريد أن أحجر على رأي أحد ولكن أرجو ألّا تكون هذه المسألة كباقي المواضيع التي يتكلم بها الجميع ثم يتركونها دون حل فتُنسى.

وهناك فريقان: أحدهما متفائل والآخر متشائم.. فالأول يتكلم بنبرة هازئة عن الخائفين على مستقبل اللغة العربية بين أهلها والداعين إلى خدمتها وحمايتها، ويشعرك أن جميع العرب ـ صغاراً وكباراً - يراوح مستواهم اللغوي بين ابن منظور والفيروز آبادي، والآخر متشائم تظن من كلامه أنك ستستيقظ غداً فلا تجد أحداً تحاوره بالعربية، لذلك فأول حل لتنهض بنا لغتنا أن نخرج من هذا الإغراق، الذي يشوش علينا النظر الصحيح لموارد الأمور ومصادرها.


وإن نظرنا ابتداء إلى المدرسة ومناهجها نجد أن المشكلة ليست في كتبها بقدْر ما هي في معلميها.. فاللغة كأي علم آخر فكما أنك لا تفهم الحساب من معلم لا يعرف الأرقام وطرحها وضربها وعشورها وجذورها وكسورها.. ولا تصبح مخرجاً بمجرد أن تقرأ كتاباً عن أنغريد برغمان، ولا تاجراً ناجحاً بقراءة كتاب: كيف تصبح ثرياً في شهر.. كذلك لا تزرع ملكة البيان في صدر الطالب دون معلم يحب اللغة وأدبها، ويعرف شروحها، ويمشي في رياض نثرها ونظمها فصيح المنطق بليغ اللسان.


لا نطلب منه أن يكون شاعراً نابغة ولا كاتباً جاحظياً، ولكن نطلب منه أن يطالع ويعيش في أدب العربية ودراسة النحو والصرف وشاذ اللغة وشاردها ليبني ملَكة بيانية وليجعل الدارس متذوقاً لآداب اللغة ـ ولا أعظم من أدب لغتنا ـ فينقل هذا كله للطالب فينشئ لنا ما نحتاجه من أصحاب الملكات اللغوية لا الشهادات الدراسية.. وما أجمل المهندس الأديب والطبيب الشاعر! ولك أن تنظر في علماء اللغة وفطاحلها وتخبرني أيهم كان أديباً.

وإن انتقلنا إلى كتاب زماننا وأدبائه رأينا ما يحزن القلب وينفِّر النفس من غزارة الإنتاج، وقلة الإبداع اللغوي الذي نقرؤه مقارنة بأدباء ثلاثينات وخمسينات القرن الماضي.

ولا يخلو الأدب من مبدعين (دون ذكر أسماء)، لكنهم بالنسبة إلى عدد المنتسبين إلى الأدب لا شيء.. وأغلب الجيدين لا شهرة لهم، بل أحياناً تصعب أن تجد من قرأ لهم.. فكتّابنا (المشهورون) ما بين متشدق ومتفيهق، وقلّ أن تجد كاتباً مطبوعاً، وتشعر عندما تقرأ لكثير منهم أنك تقرأ ترجمة قريبة من الجيدة لأحد الكتب الأجنبية، وتجده مغرقاً في الماورائيات ويُقحم الفلسفة ﺑﻜﻞ فقرة، وترى أساليب لم تعهدها العرب، وتراكيب قلقة، وهذا لا يرسخ ملكة عربية مبينة عند القارئ الناشئ بل لا يزيده إلا عياً وإن كان ناطقاً.

وزاد المترجمون الحال سوءاً إذ يندر أن تجد ترجمة عربية صحيحة.. فكم نحن بحاجة إلى أمثال (حلمي مراد) في هذا العصر، ليقرأ الجيل الناشئ أدب الشعوب الأخرى في عصره بلغة تفوق النص الأصلي.

وكتاب صحفنا ما زالوا يكتبون في الصحف يومياً على الرغم من الغزو التقني - إن نعيت على أحدهم أخطاءه، وما أكثرها - رد بأن هذا من الأخطاء الشائعة! وما فائدة شيوعها إن لم يتم تصحيحها.. وإن كنت تعلم أنها من (الأخطاء) فلمَ أنت مُصرّ عليها، وعلى ترسيخها في أذهان الناس؟