الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

البركان الليبي.. وصراع الأقطاب

البركان الليبي.. وصراع الأقطاب
بقلم: محمد سعدي كاتب ومحام ــ الجزائر

كثر اللغط الإعلامي حول مؤتمر برلين الخاص بالمعضلة الليبية، ولكن لا أحد غاص في أهم دوافع المؤتمر، مع أن الجميع يصفه بالمؤتمر الخاص بالأزمة الليبية، والحقيقة الخفية أن المؤتمر هو لقاء أقطاب تجاذبات المعضلة الليبية لاقتسام الكعكة بالنسبة للكبار، واقتسام النفوذ باسم الأمن القومي للبعض الآخر مثل: مصر وتركيا، مع حضور شكلي للبعض الآخر، مثل: الجزائر وغياب ليبيا والليبيين، خاصة قطبي الاقتتال (خليفة حفتر وفايز السراج).

لقد ركّز المؤتمر على كيفية تأمين مصادر الطاقة من جهة، تأمين تصدير البترول من جهة ثانية، وذلك بالتركيز على الناحية الأمنية المتدهورة، وكيفية الوصول إلى توقيف الاقتتال الواقع على مشارف طرابلس، وفك الحصار المضروب على المركبات البترولية بواسطة القبائل بإيعاز من المشير خليفة حفتر، دون التعرض لعمق المعضلة الليبية الحقيقية والمتمثلة في كيفية الوصول إلى لقاء جامع بين كل الفرقاء الليبيين لإنهاء الاقتتال حول السلطة، وهو أهم محور كان يجب التطرق إليه في مؤتمر برلين، وهذا ما لم يحدث.


إن الوضعية الليبية الآن تتجاذبها عدة أطراف، منها قطبان رئيسان، أولهما: قطب مصر، التي تسعى بكل الطرق لحماية حدودها الغربية مع ليبيا، وتحقيق عمقها الأمني من خلال السيطرة على الشرق الليبي، انطلاقاً من بنغازي، وهي قصة قديمة منصوص عليها في الأوراق الأمنية التي طرحت في اتفاقيات كامب ديفيد، وقد يتم تفعيلها الآن.


وثانيهما: القطب التركي، الذي يبحث عن أمن قومي أيضاً عن طريق مجال بحري في المتوسط، وقد تمكنت من ذلك قبل المؤتمر بعقد اتفاقية حدود بحرية مع فايز السراج رغم الاعتراضات الداخلية والخارجية، لكن تركيا مستمرة في تنفيذ مخططاتها ولو باستعمال التدخل العسكري المباشر في المعضلة الليبية، مثلما فعلت وتفعل في سوريا.

ما حدث خلال السنوات الماضية، ويحدث اليوم في ليبيا على مرأى ومسمع من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وبحضور كل من روسيا وفرنسا، العضوين في مجلس الأمن الدولي، دون تحريك أي ساكن يبين أن ليبيا ـ رغم أنها تحت وصاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ـ تواجه مصيرها المحتوم من اقتتال وتدمير برضا كل الأطراف الفاعلة.

وخلاصة القول: إن ليبيا الآن قد دخلت في مرحلة أخطر من المراحل السابقة، خاصة بعد انتشار قوات أجنبية ومرتزقة ودواعش وفرق مسلحة من جميع الأجناس والأيديولوجيات، وكأن الجميع يرغب في نقل التجربة السورية إلى ليبيا، وفتح جبهة اقتتال وتوتر أمني في شمال أفريقيا انطلاقاً منها، وهذه الجبهة ستشعل النار في المنطقة خدمة لمصالح الكبار من خلال إرهاق الآخرين ووضعهم أمام الأمر الواقع، طبقاً لأطروحات الكبار الاستراتيجية، وفي إطار العولمة والهيمنة واقتسام النفوذ في أفريقيا ككل، وستكون ليبيا أول الضحايا، وشعبها أول المنكوبين.

لا أظن أن هناك أي دولة من دول الجوار الليبي الآن قادرة على فعل أي شيء بما في ذلك الجزائر، لأنها تأخرت كثيراً عن ركوب القطار، والآن لا هي قادرة على اللحاق به، ولا هي قادرة على توقيفه، لأنها لا تملك حتى الساعة أوراق ضغط يمكن لها استعمالها إلا ورقة القبائل الليبية، وهي ورقة صعب الاعتماد عليها الآن بعد تعقد الوضع والانتشار المخيف للسلاح في ليبيا، مع غياب وجود حليف دولي قوي داعم للطرح الجزائري، بداية من روسيا الصديقة شَكْلاً للجزائر.