الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

نحن جوعى.. هل يقوم الإعلام بإشباعنا؟

نحن جوعى.. هل يقوم الإعلام بإشباعنا؟

PSX_20200128_221644 نحن جوعى

بقلم: إسلام النجّارمختص في الإعلام الرقمي ـ فلسطين

قد نكون افتقرنا في إعلامنا العربي إلى ما يسمى بوصف الحالة، بسبب عدد من العوامل، أدت إلى التأثير السلبي على وحدة صف الخطاب الإعلامي، فمنذ سنوات نخوض في انتشار منصات الإعلام، وما خلفته وما تُحدثه من تفاهم متبادل بين الأمم، وما أظهرته من قوة في تقديم وإذاعة الأحداث والأخبار بسرعة فائقة.

هذا التسارع عزز مفهوم «القرية الصغيرة» -الذي راج على ألسنتنا في السنوات الأخيرة ـ حيث إنها المكان الذي يعرِفُ كل من فيه ما يحدث في خبايا أروقته، بمعنى أن الإعلام أصبح لديه المقدرة على نقل الأخبار حين حدوثها، فأضحى هنالك ما أسميته بـ«اللَّحظة الصَّفرية» بين وقوع الخبر ونقله وهي الطبع الرائج في المنصات الإعلامية، التي تخطت كافة العواقب الزمانية، والمكانية، والبشرية.. وحتى المعنوية.


فلم تعد بعد اليوم اللغة التي نتحدث بها ولا الأساليب التي نتواصل بها، أو النطاق المُتاح أو الخطاب السياسي الشائع والمختلف، حواجز تمنع من وصول الرسالة الاتصالية المدعومة بالصوت والصورة، لوجود الإمكانات الهائلة لكل جهة إعلامية من حيث المقدرة على التركيز أو التكبير أو التقليل أو التحييد.


ومع مرور الوقت وكثرة المنصات التي تقع في متناول اليد، لم تتوقف الدراسات والأبحاث يوماً عن التأكيد على أن منصات الإعلام المختلفة حولت بالفعل العالم الكبير إلى عالم صغير، ولكن على النقيض مما قد وصفنا به القرية الصغيرة يوماً، فالقرية الصغيرة نستشعر بين أفرادها حالة جميلة ولافتة من التفاهم والاتفاق، ويرتبطون روحياً فيما بينهم بروابط اجتماعية وإنسانية تدخل في أعماق الأفراد، لدرجة المشاركة في الأحاسيس والمشاعر، حيث يفرحون لفرح الصغير والكبير، ويتأثرون بمصيبة الغني والفقير، وكأنهم روح واحدة تقسمت في مئات الأجساد.

لذاك السبب نرى أن منصات الإعلام حوَّلتنا في هذا العالم الغريب إلى نزلاء فندق كبير، يلتقي سكانه، وربما يجالس بعضهم بعضاً، لكن بلا خيوط تجمعهم أو علاقة ود تربط أرواحهم، كل فرد معزول عن الآخر.. يشعرون بغربة في المكان والزمان، وهم بذات البقعة، والمفارقة الجميلة أن الفندق بالعادة، ربما، يربط بين رواده في المستوى أو الحالة النفسية الواحدة من حيث الشعور بالاغتراب، إذْ قليلاً ما نجد محتوى إعلامياً عربياً يتحدث حقاً عما يجول في خاطر الإنسان العربي من قضايا، بل إن منصات الإعلام كثرت وشاعت، لدرجة أنه من رحم المنصة الواحدة يولد العديد من المنصات والأفكار، التي تسعى وراء الإنسان منذ استيقاظه.

فلا يبتعد عنها بُرهة من لحظات يومه، حتى بأوقات راحته واستجمامه، فالذي يتبع المدرسة القديمة من الإعلام يستيقظ إما على صوت المذياع أو التلفاز، أما العصري فنظرته الصباحية الأولى تكون لشاشة الهاتف الذكي أو رسالة من تطبيقات التواصل، ومنهم من يفتح عينيه على صحيفة من الصحف أو قناة من القنوات.

لتظل منصات الإعلام بمختلف وسائل تواجدها تطاردنا من مكان لآخر، ومن حجرتنا الشخصية إلى صالة الاستقبال في البيت ثم وسائل النقل، ثم أثناء التجول في الشارع أو أثناء العمل، مع عجزنا عن البعد أثناء العمل، متابعة خباياها ورسائلها على اختلافها، التي أصبحت ـ بسبب عددها الهائل ـ تحيرنا فيما نختار!

ومع هذا وذاك، وتكاثر جميع هذه المنصات واختلافها، لكم أن تتخيلوا أننا لا نزال جمهوراً جائعاً يبحث عما يسد رمقه، ويصف حاله بالطريقة المناسبة فعلاً، ويتحدث حقاً عن الحالة التي نعيشها.