الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الحياة أقصر قامة ممّا رأيناها

الحياة أقصر قامة ممّا رأيناها
بقلم: نبيل عرابي كاتب ـ لبنان

حين تتبدّل صورة العالم من حولنا بشكل مفاجئ نحو حال لم نكن نتوقعها، أو بعبارة أوضح تنقلب فيها الأمور رأساً على عقب، لنجد أنفسنا على الضفة الثانية حيث نهاية نصف دائرة التغير الذي حدث، أي عند الدرجة الـ180.. هكذا ودون سابق إنذار، فنشعر بالزلزال الذي رقّص أقدامنا، وبالدوار الذي أطاح بنا، وكأن الرؤية لم تكن بالمستوى المطلوب، وذاك الناصع المتناثر مع امتداد الأفق لم يكن أكثر من رذاذ يبهر الأبصار.

عندها يحق فيها قول الشاعرة دعد حداد:


عالمنا ورق أبيض مطبوع أحياناً بالزّيف..


أحياناً لا طابع له

شيء مدهش،

عالمنا شيء كالعشب المنسي في قاع البئر..

عشب ماضٍ نحو الصمت... المطبق..

وعندها أيضاً تبدأ المحاولات المتعثرة لاحتواء ما جرى، ويأخذ البحث عن مقومات الحياة منحى جديداً وسط كمٍّ من التساؤلات المتزاحمة عند مفترق كل درب قد تسلكه ومضة فكر، تخال نفسها، كونها وليدة اللحظة، أنها لا مثيل لها، فيتصاعد دخان احتراقها سريعاً، وينتشر نبأ فشلها كالنار في الصميم.

وتستنفر الذاكرة ما تيسّر من عناصر حيويتها، وتسارع إلى اقتناص فرصة ما، قد تحفظ ماء الوجه حيال تلك المتاهة المتآكلة الأطراف، المهملة في قعر أجوف لا مساحة فيه سوى لصدى أبكم، ولا مخرج إلا نحو ربيع شارف على الانتهاء، وخريف لا يدرك من تفاصيل حلوله إلا الأصفر الباهت والسماء المكفهرة.

حين تتبدل صورة العالم من حولنا بشكل مباغت، تصبح الحياة أقصر قامة مما كنا نراها، ولا نعود بحاجة لأصابعنا لنتابع قضمها بحثاً عن بصمات جديدة لها، ولا لأنفاسنا المتسارعة بلا طائل، عندها نحتاج فقط لصمت طويل الأمد!