الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

نهاية الدولة الأردوغانية.. وسيناريو «مقدمة ابن خلدون»

نهاية الدولة الأردوغانية.. وسيناريو «مقدمة ابن خلدون»
بقلم: محمد سعيد كاتب ـ الإمارات

يردد كثيرون، معارضون ومؤيدون، نغمة أن أردوغان يسعى لصناعة الدولة العثمانية من جديد، وأنه في محاولته للتوسع، يعتقد أنه يستطيع لعب دور محمد الفاتح من جديد، مستخدماً كل الأدوات الممكنة بغض النظر عن نزاهتها أو إنسانيتها.

100 عام تقريباً مرت على إعلان الجمهورية التركية الحديثة، وقبل ذلك الإعلان بسنوات قليلة، كان السلطان عبدالحميد الثاني يمنع تداول كتاب مقدمة ابن خلدون، لأنه وجد فيه مؤشرات على انهيار الدولة العثمانية، بعد أن حذره مفكرو ذلك العصر، مستخدمين ما تنبأ به المفكر الإشبيلي من المنحى الذي دخلت فيه الدولة بسبب سياساته، وهو ما لم يعجب عبد الحميد.


تركيا الحالية لا تتمدد لتكون إمبراطورية عثمانية، بل تتوسع كي تنفجر على غرار نهاية الكون بانفجار عظيم، فحكم الرجل الواحد، وإعادة هيكلة محطمة لقواعد الجيش الثابتة، وما تسببت به الأزمات السياسية من تراجع اقتصادي لحياة العامة، وخلق عدة أعداء للدولة، تجعل البلاد أمام مصادر خطر عديدة، وتدخل دون شعور في دوامة تنبؤ ابن خلدون من جديد، تنبؤ أصاب في المرة الأول مع الدولة العثمانية، ويبدو أنه في طريقه إلى الصواب من جديد بسبب من يعتقد أنه خليفة محمد الفاتح.


ومع زيادة التعقيدات الاقتصادية، وإشغال الجيش بحروب استعمارية خارجية، واتساع الفجوة بين المجتمع التركي والمجتمع الأردوغاني الجديد، الذي يرفض التعددية، ويعتقد أنه قادر على تلوين البلاد بلون واحد على المدى الطويل، فإنه لا بد من صعود تناقضات تركيا الداخلية العديدة إلى السطح، ومن هنا قد يحدث ما لم يتوقعه أردوغان.

الحكم الإخواني الوحيد الذي عرفه العالم الإسلامي كان في السودان، وانتهى بتقسيم تلك البلاد إلى شمال وجنوب، وأردوغان الذي لا يتعلم من حكم معلميه الفكريين، مصمم على المضي بنفس الطريق، وعلى الأغلب سيخلق نفس النتيجة.

فشوق فئة تركية إخوانية للماضي، وإصرار فئة أخرى على الحداثة والنظر إلى المستقبل، والتناقضات الطائفية العرقية النائمة هناك، ووجود أكثر من دولة عميقة داخل الدولة، والتصارع بين الجهات الأمنية، والضغوط الاقتصادية الناشئة، وانشغال أجهزة الدولة بحروب خارجية، ستكون مصدر استيقاظ لكل تلك الفتن، التي إن نشأت، ستجد الكثير من المهتمين بالتدخل فيها، لتنتهي الحال بنسخ عديدة من تركيا وليست نسخة واحدة.

ما يفعله أردوغان لن ينتهي بدولة عثمانية جديدة، بل فشل ذلك مضمون، لأن الزمن ليس نفس الزمان، ولأن عدة أطراف عربية وأوروبية تعرف مدى سوء المرحلة القديمة والمجازر والتغييرات الديموغرافية التي تسببت بها، فلن تسمح بحدوث ذلك، وإن كانت تتعامل حتى اللحظة مع الموقف بهدوء، فإن تصديها للمشروع سيزداد حدة كلما زاد أردوغان جرأة بإحياء من مات وشبع موتاً.

لا يزال أمام الرئيس التركي وقت ليتراجع عن خطِّه «الدرامي» الحالي، فحتى اللحظة لم تتصاعد أزماته الداخلية، ولم تتجرأ مراكز القوى في البلاد على تحديه علانية، لكن بذور كل ذلك تمت زراعتها، من انشقاقات في حزبه، وتجميع لمئات آلاف الجنود المعزولين، ومنظومة دول مؤثرة لا تقبل بأفكاره، وترفضها بشكل صريح.

تلك البذور لن تتحول إلى سكين تفكك تركيا إلا لو واصل أردوغان سقيها بأزماته في الخارج والداخل، ولو استمر في حرق موارد البلاد من أجل حروب لا فائدة منها، وإشغال جيشه بحروب غير عادلة، تصاحبها جرائم حرب وحرق بشر كما حدث في حربه على الأراضي السورية، وعليه أن يعلم أن منعه للصحافيين الأتراك من تحذير الداخل من نتائج أفعاله، لا يتجاوز ما قام به السلطان عبدالحميد من قبل بمنع قراءة مقدمة ابن خلدون، فالمصير واحد إن لم يعتبر.