الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الكاتب العربي بالأبعاد الثلاثية

الكاتب العربي بالأبعاد الثلاثية
نبيل عرابي كاتب ــ لبنان

يثير الأديب الجزائري واسيني الأعرج، من خلال ما ينشره على صفحات جريدة (الرؤية ) الإماراتية من حين لآخر، قضايا تتعلّق بالكاتب العربي وبفعل الكتابة.

وقد استوقفني نص حمل عنواناً من هذا المضمار هو: «ما قيمة الكاتب في الوطن العربي؟» نُشر بتاريخ 28 أكتوبر 2019، واعتبر في بدايته أن «المبدع عموماً، والكاتب بالخصوص، لا يموت.. يقف الموت أمامه بلا أسلحة، يضاهي الأبدية والخلود..» حيث «تبقى الأعمال شاهداً على حياته الأبدية الغنية، ولا يحتاج الأمر إلى إثبات، لأن محيطنا اليومي يؤكد على ذلك».


وقد ساقه هذا التوصيف إلى رفع الصوت: «هل استفدنا في الوطن العربي من هذه القيمة التي تُعطى للكاتب، بحيث يستمرّ فينا كبارنا الذين صنعوا الوعي الفني الجمعي والإنساني؟»، ومن ثم يختم قائلاً «إنه، وباستثناء الجامعة والجهود الأكاديمية، في المجالات الضيّقة والمتخصصة، لا جهد يُبذل من أجل فعل الاستمرارية.. لا وعي بالقيمة التاريخية لهذه الشخصيات التي شيّدت جزءاً من الميراث العربي والإنساني في الثقافات الغربية والعالمية.. فكيف يمكن للعربي أن يستمرّ في مدار محلى ودولي يمحوه كقيمة في كل ثانية؟».


أما الأديب اللبناني خليل الهنداوي، وفي مقال له بعنوان: «أزمة الأديب العربي اليوم»، والذي نُشر في مجلة «العربي» الكويتية، العدد 158 ــ يناير 1972، فيعتبر – كما هو واضح من العنوان- أن الأديب يعيش أزمة، ولكنه يتحدث بحسرة عن هذا الموضوع، قائلاً: «ألا ليت أزمة الأديب كانت واحدة، إذاً لهان الأمر.. ولكنها أزمة تتفرع عنها أزمات، وكل أزمة آخذة بخناق ثانية، فلا يكاد يفلت من شباك واحدة، حتى تتحداه أزمة ثانية أشد وثاقاً».

وهو يشير إلى أن «الأديب هو ابن انفعالاته التي تنبع حيناً من موقف ذاتي، وحيناً من مشهد جماعي.. والحكم الصحيح المجرّد هو أن يكون الأديب في هذه الانفعالات صادقاً مع نفسه، ناقلاً عن شعوره!».

ويُوضح أن هذه الحال تنطبق أيضاً على«الفكر والأدب»، فهما يعانيان كثيراً من الشدائد، ويقاسيان التحولات الكثيرة، ولكن غايتهما المجرّدة في رفع قيمة الإنسان تبقى أبداً، وقد يبتعدان عنها، ثم لا يلبثان أن يعودا إليها».

ونقرأ للأديب المصري يوسف الشاروني الذي أورد في مقال له نشرته مجلة العربي الكويتية ـ العدد 514، سبتمبر 2001، بعنوان: «الأديب والضابط» موقفاً حدث معه حين سافر إلى هولندا لزيارة ابنه الطبيب، وهناك احتاج إلى عملية جراحية قلبية مفاجئة، جعلته يتجاوز المدة المقررة للإقامة المحددة في جواز سفره، وبعد تماثله للشفاء، اصطحبه ابنه إلى شرطة الجوازات، ونصحه بأن تكون بحوزته إحدى مجموعاته القصصية المترجمة إلى اللغة الإنجليزية. وبعد أن اطّلع الضابط المسؤول على حيثيات الأمر، قدّم له الابن الكتاب مع التعريف بوالده، وما إن لمح الضابط اسمه على الغلاف وأدرك أنه أديب، حتى رآه يقف فجأة ويشد على يده في احترام شديد، ويعلن إعفاءه من أي رسوم إضافية، مما دفعه إلى التساؤل: «كم ضابط شرطة في الجوازات أو غير الجوازات في شرقنا العربي يقف احتراماً لأديب لم يعرفه من وسائل الإعلام، بل من كتاب لم يقرأه بعد»!.

لقد حرّك واسيني الأعرج الماء الراكد، ومرّر خليل هنداوي أصابعه على الجراح، ورسم يوسف الشاروني خريطة الدهشة على الوجوه، فاستطاعوا بذلك تحديد موقع الكاتب العربي بالأبعاد الثلاثية التي تتحكم به، وأصابوا الهدف المنشود، كلٌّ من زاويته الخاصة.