الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الخطاب الديني في زمن كورونا

الخطاب الديني في زمن كورونا

PSX_20200312_143715 الخطاب الديني

بقلم: محمد سعيد كاتب صحفي ــ الإمارات

استطاع فيروس كورونا المستجد لفت الانتباه من جديد إلى القضية المسكوت عنها لدى كثيرين من مختلف الأديان، المتمثلة بقضية الخطاب الديني، وما قد يخلقه من آثار سلبية، لا يتعلق الأمر هنا بالإرهاب والتطرف فقط كما يعتقد البعض، بل بتناول الأمور الحياتية من البسيط منها حتى الأزمات التي قد تؤدي إلى ضحايا لا تحصى وتهدد شكل الحياة الذي اعتدناه.

رسائل كثيرة وصلتني إلى الواتس آب، تحذر من شتم كورونا ووصفه باللعين أو السخرية منه، لأنه من جنود الله، ومقاطع تم تداولها لبعض الزائرين لمدينة قم يتحدون كورونا بلعق الأضرحة، في حين أصرت طائفة دينية كورية على ممارساتها، فأدت إلى هز استقرار البلاد، وجعلها ضمن أخطر البؤر العالمية.


آخرون يحتفلون بإصابة طالب إسرائيلي بالمرض، اعتقاداً منهم أن هذا عقاب رباني كما ربطوا من قبل بكل «همجية» الفيروس الذي ضرب الصين وآذى الطفل والكهل في البداية بأنه عقاب بسبب مسألة الإيجور الذي لا يعلمون عن تفاصيلها وتاريخها شيئاً، قبل أن ينتشر ويضرب كافة الدول بمختلف الأديان، ليختفي كلام «الانتقام الرباني».


وفاجأنا بعض رجال الدين ممن اعتادوا أن يطالبوا الناس بأن لا يخشوا الموت في مجاعة يعيشونها ويطالبونهم بالصبر، وعدم الهرب من حرب يعايشونها وتفتك بهم، وأن أيّ شك يدخل نفوسهم بالنجاة في تلك اللحظة يعني شكاً بعناية الله بهم، بأن قرروا الاختباء والاختفاء من كافة معابدهم التابعة للديانات المختلفة، وأظهروا بأن ما يطالبون به الناس ليس إلا «يقولون ما لا يفعلون».

في المقابل، كانت المملكة العربية السعودية تضرب مثالاً عظيماً بفهم الدين، فلم تتردد للحظة أن تجعل الناس ترى الحرم خالياً رغم معرفتها بوجود متربصين بها، في موقف لن ينسى لحفظ أمن العالم، إذ أن تلك أعلى بقعة كثافة بشرية في العالم، وشخص واحد هناك مصاب بالفيروس المستجد، يستطيع أن يتحول إلى بؤرة بحد ذاته، فيؤذي العالم كله.

ما كشفه كورونا، يجعلنا نعود إلى الخلف أكثر، وندرك أن الخطاب الديني يعاني من مشكلة أكبر بكثير مما نعتقد، وأنها مشكلة عالمية لا تتعلق بمناطق صراع فقط أو ديانات سماوية فحسب، والمسألة تتجاوز خطاب الكراهية والتطرف بكثير.

فأزمة الخطاب الديني التي ظهرت مع كورونا تتعلق بفهم رسالة الإنسان في هذه الدنيا، ابتداء من الأفكار الإنسانية البسيطة، ومبادئ المنطق البسيطة، فكورونا فايروس قابل للانتشار، لا ينتمي إلى ديانة أو طائفة، ولا تهمه قضايا سياسية أو اقتصادية، وكل ما يهمه إيجاد جسد يعيش فيه، وابتداء من الحيوانات، وبالتأكيد لم يفعل ذلك لأنه يريد الانتقام من آكل النمل لأنه أكل النمل! ولانتمائنا إلى المجتمع الإسلامي، وجب الكلام بحزن أكثر، على رؤية رجال الدين الذين تحدثوا بكل قضايا العالم، وصمتوا أمام دعاوي شاب متهور يعتقد أن كورونا عقاب رباني، لم يخرجوا ويقولوا له: إن الله تعالى لم يذكر في القرآن الكريم أبداً المرض كعقاب، بل ذكره كعذر عندما يكون جسدياً، والمرض الذي ذمه كان مرض القلب.

يعيدني كورونا إلى ما كنت مؤمنا به منذ زمن طويل، بأن الخطاب الديني يجب أن يبدأ مع الطفل الذي عمره 4 سنوات، إذ يبدأ هناك تعليمه الحياة بشكلها السليم، وتعزيز لغة المنطق في استيعاب الأمور، وعدم انتظاره ليكبر، فيتشكل عقله، ويصبح تغييره صعباً، لدرجة التشفي بالمصابين، واختلاق أسباب واهية، يتم إلباسها رداءً دينياً.. يعيدني كورونا إلى أن أزمة الخطاب الديني أعقد بكثير مما كنا نتصوره!.

للنشر والمساهمة في قسم الساحة: [email protected]