الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

العالم غداً.. رواية مؤلفوها كُثْرٌ

العالم غداً.. رواية مؤلفوها كُثْرٌ
رنا سعادة أستاذة لغة عربية ـ الإمارات

لن تكون تحليلات الاقتصاديين والسياسيين وعلماء النفس محور حديثنا في هذا المقال، فقد يتبادر إلى الذهن ما رافق جائحة كورونا من تحليلات وتفسيرات وتنبؤات تسبر ما وراء الحدث، وتربطه بقوى خفية ترمي إلى تدمير العالم، أو أيدٍ شريرة غايتها قتل الفقراء وتجويع المعوزين أو سحق الطبقة البسيطة في هذا العالم، أو لربما يظن القارئ أن المحللين السياسيين وما ذهبوا إليه من تنبؤات بحرب عالمية بيولوجية ثالثة هو محط حديثنا.

ما يمكن الجزم به الآن وفي الوقت الراهن هو أن وجه العالم وتاريخ البشرية، سوف يقسم إلى 3 فصول في رواية مؤلفوها كُثر، اجتمعوا لا على اتفاق مسبق كما يبدو، رواية أشبه بالقصص الشعبية، تأليف جمعي مقتبس من ذاكرة الشعوب ومن قلب المعاناة التي لا شك أن مجرياتها مزيج بين الواقع والخيال، أو أنها ملحمة أسطورية تسعى فيها الشعوب للبحث عن شجرة الخلود كما فعل جلجامش أو للسعي وراء الفردوس المفقود، وقد يراها البعض مسرحية فصولها 3 لمّا تنتهِ بعد، والمشوار نحو النهاية - جدُّ - بعيد، الفصل الأول: العالم قبل كورونا الفصل الثاني: زمن كورونا، أما الفصل الأخير وهو الأطول: ما بعد كورونا.


وبعيداً عن السياسة والاقتصاد والتنبؤ والفلك والملاحم والأساطير، ومن وجهة نظر إنسانية لا تنتمي إلى عمق تفسير أو إسهاب وتحليل، يقف الإنسان، وحده الإنسان المجرد من الماديات المحتكم لمعايير البشرية والإحساس، متأملاً متبصراً ليتعلم أعظم الدروس والعبر من هذا الحدث الأغرب في تاريخ البشرية، فقد تذوق هذا الكائن المادي العملي المنغمس في الدنيا واحتياجاته اليومية وكمالياته العصرية، وهو إنسان ما قبل كورونا، تذوق طعم الحاجة وعرف معنى الحرمان؛ الحرمان من النعم، من الحرية المرتبطة بالإحساس بالأمن والأمان الشخصي، وربما أحس قليلاً بما يشعر به المهجّرون والمحاصرون والمحرومون.


قبل كورونا كنا نعلم بأن المظلوم يُسَرّي عن نفسه ويواسيها باحتفاظه بحق الدفاع عن النفس والمواجهة.. ولكننا الآن في زمن كورونا لم نعد نمتلك القدرة على المواجهة، وتبنينا فلسفة الحفاظ على الثبات من أجل البقاء ومع الوقت اكتشفنا أننا أمام هجوم على حين غرة هجوم صامت زرع الخوف بصمت، صمت رهيب في الحياة الاجتماعية الصاخبة في الأصل ومن ثم أصبحت أيامنا خالية حتى من ضجيج الحروب وأصوات الصواريخ، حرمان طال متعة الاستمتاع بالضجيج، مفارقة تحمل الكثير من التناقضات، ولعل أمراً ما يدعونا يوماً بعد يوم إلى أن نتعامل مع الوضع كأنما نحن في حالة تأمل فلسفية تأخذنا إلى ما هو أبعد من كل التحليلات أو التنبؤات.

والسؤال ههنا: هل ما زلنا نملك حق العودة إلى حياتنا السابقة؟!.. لا نملك جواباً واضحاً، ولكننا نملك أرقاماً وإحصاءات ما بين مصابين ومتعافين ووفيات، لا شيء ثابتاً في الوقت الراهن إلا أصوات المقاتلين الحقيقيين الذين نزلوا إلى ساحات المواجهة ووصلوا إلى قلب المعركة، هم وحدهم الذين حافظوا على رباطة جأشهم وهم الوحيدون الذين يمتلكون حق الدفاع وعندهم قوة المواجهة، لا مفر أمام المقاتلين الأبطال، البحر من خلفهم والعدو أمامهم رفعوا رايات النصر مهما تكبّدوا من خسائر.. عناصر الجيش الأبيض رايتهم خضراء خفاقة مرفوعة، وستبقى مرفوعة للدفاع عن الوطن وكل من يعيش على أرضه بدون تمييز، أولئك هم العاملون في القطاع الطبي من ممرضين وأطباء وصيادلة، ورجال إسعاف وموظفي طوارئ ورجال أمن هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون الذين وإن عزل الناس أنفسهم في بيوتهم ظلوا هم في قلب الحدث يحملون في يد أدوية وعلاجات، وفي الأخرى وردة تبتسم في وجه المريض لتزرع الأمل في غد أجمل.