الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الأبواب المغلقة.. ومفتاح العودة

الأبواب المغلقة.. ومفتاح العودة
رنا سعادة أستاذة لغة عربية ـ الأردن

عندما يعيد الزمان نفسه، ونرى أن الإرهاب والقتل والتنكيل أفعال إجرامية، تجبر الشعوب المناضلة كالشعب السوري مثلاً على الخروج من وطنه حماية للأعراض والأطفال، نعرف تماماً كيف تم تهجير الشعب الفلسطيني وتخويفه وترهيبه في أربعينات القرن الماضي.

ماذا لو كانت تلك الشعوب ترزح تحت قمع الاستعمار؟! وقد أبرم المستعمر اتفاقاً خفياً مع مستعمر آخر ليحل محله ويسلمه الأرض التي أنهكها الاستعمار، فيقدمها لقمة سائغة لمستعمر جديد، وعدُ احتلال جعل شعباً أعزل بسيط الإمكانات، يفر خوفاً بعد أن رأى أهوال القتل والتنكيل والتعذيب، سلاحه الوحيد هو حركات النضال الشعبية التي سطرت أبهى صور النضال في تاريخ القضية الفلسطينية كانت تلك البقعة الطاهرة - كباقي دول المنطقة - ترزح تحت السيطرة الأتراك وما لبثت أن خرجت من قبضتهم حتى وقعت في حفرة الإنجليز تحت سيطرة الانتداب البريطاني، ثم قدّمها الانتداب هدية للمحتل، وطوال فترة الانتداب كانت عصابات اليهود التي تم تهجيرها سراً (الهاغانا وأرغون وتشيرون) تمارس عمليات التطهير العرقي على نحو 670 قرية فلسطينية، ظلت صفحات التاريخ تسجل الاعتداءات المتوالية من زمن المجازر في دير ياسين وغيرها وحتى الآن.


كانت العمليات الإرهابية المنظمة ضد الشعب الفلسطيني تهدف إلى التنكيل بالشعب وترويعه وسرقة أراضيه وممتلكاته وإلغاء وجوده، كما حدث في التطهير العرقي ضد الهنود الحمر في القارة الأمريكية، والتطهير العرقي للشراكسة من قبل الروس، وما حدث في يوغسلافيا ضد مسلمي البوسنة والهرسك وغيرهم.


ثم جاءت الخطوة التالية وهي «الإحلال» حيث تم إنشاء الغيتوات (أحياء اليهود) على أنقاض المدن المهجورة بعد الترويع والتنكيل والتهجير والمجازر الجماعية المنظمة.

لم تكن نكبة أهلنا في سوريا أقل بشاعة بل تكاد تتجاوز جميع التوقعات، وذلك لتكالب الأيدي وتعدد التدخلات من الخارج وتوالي المناحرات الداخلية، وبالعودة لأحداث تاريخية كثيرة نجد أن هروب المستضعفين ما هو إلا نتيجة حتمية للصراع غير المتكافئ بين طرفين: الأول صاحب القوة والجبروت المتسلح ذو العتاد والجاهزية (فاقد الشرعية) والطرف الآخر: المستضعف (صاحب الحق) ذو الإمكانات الضعيفة الذي سلبت حقوقه بالكامل؛ كما حدث مع الشعوب المغلوبة التي سلبت حقوقها في فيتنام وغواتيمالا والأكوادور والبوسنة الهرسك وبنغلاديش وباكستان وغيرها.

وبالعودة إلى التاريخ القريب نسبياً نرى الشعب الكويتي الذي ترك بلاده إبان حرب الخليج حين تعرض لهجوم على حين غرة واستنجد بمن دعمه ضد العدوان، ثم عاد الناس بعد التحرير إلى أرضهم آمنين ينعمون بالدعم الدولي الكامل لحقوقهم وسيادتهم على أرضهم، وليس أدل على قصص الهجرة في التاريخ من هجرة المسلمين الأوائل السابقين للإسلام من مكة فراراً بدينهم إلى الطائف، إلى أن عادوا فاتحين حين أعزهم الله بقوته وتوسعت الدولة الإسلامية وصارت لها سيادة تقوى على المواجهة واستعادة الحقوق المسلوبة.

أمثلة كثيرة لشعوب لم تتخلَ عن حقوقها واصطحبت معها رمز بقائها ودليل استحقاقها لأرضها، وبطريقة مختلفة ومميزة جاء احتفاظ الفلسطيني بمفتاح بيته العتيق، مؤمناً بحقه وآملاً أن يحظى بالمساندة المنشودة لاستعادة أرضه وبيته ووطنه، بيد أنه لم يحصل عليها كما حصلت عليها بعض الشعوب لتستعيد أراضيها، بقي المفتاح رمزاً للعودة التي تنتظر حلولاً منصفة من منظمة العدل الدولية! لا يزال المفتاح معلقاً، ولكن البيت لم يعد قائماً، 72 عاماً وأكثر كانت كفيلة بأن يعتبر المجرم نفسه صاحب حق، ولكنها حتماً لن تكون كافية لتغيير الحقائق وتخلي صاحب الحق عن أرضه.

هناك على جدران الذاكرة بقي المفتاح معلقاً ليصبح رمزاً للعودة المؤجلة قسرياً وبتواطؤ دولي.