الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

العنصرية في زمن «كورونا باشا»

العنصرية في زمن «كورونا باشا»
محمد سعيد الصاوي إعلامي ـ مصر

اتّخذت العنصرية أشكالاً متعدّدة على مر التاريخ، وزعم البعض اختفاءها مع مرور الوقت، إذْ تحرَّر العالم الحديث من استعباد البشر للبشر، إلى أن جاءت جائحة كورونا وجعلت أسوأ ما فينا يطفو على السطح.

عندما تقرؤون هذه الكلمات أريدكم أن تشاهدوا معي آخر الأنباء المتعلقة بكورونا، سوف نجد بعد لحظات أن كل ما حدث ويحدث يؤدي بهذا العالم إلى المرآة، مرآة الحقيقة التي لطالما أنكرناها، مع أنها هي التي ترينا حقيقتنا.


لعل أهم هذه الأحداث هي واقعة مقتل المواطن الأمريكي من أصل أفريقي«جورج فلويد»، خنقاً على يد أحد رجال الأمن في الولايات المتحدة الأمريكية، في مشهد يختصر الأكذوبة التي أنفق كثيراً من أجل تصديقها، وهي: انتهاء العنصرية من هذا العالم.


أثارت هذه الحادثة بالتحديد حفيظة دول العالم المتقدمة منها والمتخلفة تجاه أقوى دولة، حتى الآن! وها نحن نشاهد معاً تنديداً صريحاً من المجتمعين المحلي والدولي، ومطالبات متواصلة بتحقيقات هنا وهناك، وكأن العالم قد استغرب هذا التصرف.. والسؤال هنا: هل يحدث هذا لأول مرة؟ بالطبع لا، فقد تكررت هذه الحادثة مراراً وتكراراً طوال السنوات المنصرمة، وتنوعت أشكالها من التحرش والازدراء لكل ما هو مختلف، إذ لم يعد اللون فقط هو المعيار، إنما هناك معايير أخرى متعددة ومتنوعة، منها: الديانة، والأصل، واللغة.

إن ذاك السلوك البشري مختلف لما جاء في ديننا، فقد قال الله تعالى في محكم آياته «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (سورة الحجرات ـ الآية: 13)، فقد خُلقنا في أشكال وصور شتى وألسنة مختلفة، لكي نجتمع معاً ونتبادل المحبة والمعرفة فيما بيننا، فكلنا من آدم وآدم من تراب، فلِمَ التمييز؟

لا يزال العالم كله يعاني من مرض اسمه العنصرية، ليس على مستوى العلاقات الإنسانية فقط، ولكن أيضاً بين الدول والحكومات، وأقرب مثال ما أعلنته الحكومة اليونانية بمنع حاملي الجنسية الإيطالية من دخول اليونان في موسم السياحة، ما دعا الخارجية الإيطالية لتوجيه تهديد صريح بحل الاتحاد الأوروبي إذا لم تتم السيطرة على زمام الأمور، وطلبت من العالم ألا يعامل الإيطاليين على أنهم مرضى بالجرب.

أعود إلى عنواني، حيث اقتبست جزءاً منه من إعلامية زميلة أصيبت بكورونا مؤخراً، فقد وصفت كورونا بالباشا، والباشا لقب كان يمنح من الدولة العثمانية للكبار والأعيان في الدول التي كانت تحكمها كنوع من التمييز، ولا أستبعد العنصرية فلم يكن كل من يحمل هذا اللقب يستحقه.

لقد أعادت جائحة كورونا توزيع موازين القوة في العالم دون شك، حيث نرى بجلّ أعيننا من يتهرب من مسؤولياته، ومن يقدم العون والمساعدة والمستلزمات الطبية مجاناً لجل شعوب العالم، وهو ما قامت به بعض الدول العربية، مثل الإمارات والسعودية ومصر، حيث أرسلت المنح والطائرات المحملة بالمعونات لدعم الدول الفقيرة والغنية على حد سواء دون تمييز.

وفي ظل هذه الأزمة العامة، نجد أمريكا تواجه شعبها، محاولة البحث عن مخرج من هذا الزقاق الضيق، بعد أن انتفض المئات حتى الآن في مختلف الولايات لمناهضة التمييز العنصري، مطالبين بتعديل القوانين التي سمحت بمثل هذه التجاوزات في حق ذوي البشرة السمراء، وانطلق النشطاء من كل أنحاء العالم بتوجيه الرسائل على مختلف المنصات الإلكترونية للقصاص من قاتل جورج فرويد.

حقاً، لقد أعطت جائحة كورونا الفرصة للجميع لإظهار أفضل وأسوأ ما بداخلهم، حتى يعي العالم الحقيقة ويصدقها.