الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

أزمة كورونا.. تُطور حالة فكرية جديدة

أزمة كورونا..  تُطور حالة فكرية جديدة
د. منصور جاسم الشامسي باحث علمي ومستشار تنمية بشرية ـ الإمارات

أزمة «وباء كورونا» تُطور حالة فكرية جديدة؛ يندمج فيها المثالي بالواقعي؛ العالَم يتقارب وجدانياً واجتماعياً؛ مظاهر الحُنوّ والتعاطف واللطافة والحِس المشترك تَنمو؛ والنزعة الصراعية؛ التي تُركز على مواضع الخلاف وتضارب المصالح، تَخبو أو تضيق مساحاتها؛ صراعات الناس تعكس تقييماً خاطئاً للحياة والأعمال، مُهْدِرة للوقت والموارد والإيمان، والصراعات الدولية باتت تحت ضغط ضرورة الحل السلمي لها؛ انطلاقاً من الشعور بالحُب الفائق للحياة، والعولمة الإيجابية؛ التي تقتضي حلولاً جميلة؛ إنسانية قانونية اجتماعية، للأزمات، وتوجيه الموارد بطريقة صحيحة، في حين أن البحث العلمي يؤكد ذاته كخيار البشرية الأفضل؛ العلماء والباحثون يملكون حلولاً للأزمات الإنسانية من واقع أبحاثهم، وهذا يقتضي مُساندتهم.

أزمة كورونا تُثبت الترابط العضوي لأجزاء العالم، وتدفعنا لنفهم كلّيانية الوجود، ونفكر بطريقة كلية وغير محدودة، والبحث عن المعنى الكامل ليس فقط لأزمة كورونا، بل لكل الأشياء والمواضيع والموجودات، وهناك لغة عالمية واحدة تتشكل تنشد علاجاً للوباء وتتحدث، كذلك، عن هموم إنسانية أخرى مشتركة، تندمج إزاءها الروح العلمية بالمشاعر، ويتوحد العقل بالقلب، وتتطلب حراكاً أممياً لدفع ضرر الوباء الماثل أو غيره من أضرار.


في عصر كورونا؛ عامل الخوف لم يعد شخصياً، ذاتياً، فردياً، وإنما هو عالمي، فالمجتمعات باتت في سياق واحد أو متقارب؛ مُهدّدة، ليس فقط بفعل الوباء بل نتيجة لأزمات أخرى مزمنة.


علاقات العمل والعلاقات الاجتماعية؛ المباشرة، اهتزت؛ تقلصت مساحاتها، والسُلطات والمنظمات اكتشفت ضعفها ومحدودية قدراتها وحاجاتها لمساندة الآخرين؛ من دُول وغيرها، والتربية والتعليم بحاجة إلى تكوين إحساس عميق لدى الدارسين حول مفاهيم؛ الحكومة الرشيدة، والرعاية الصحية، وكيفية قضاء أوقات الفراغ، والاقتصاد المنزلي، والرؤية الاجتماعية، والتاريخ، والتوازن.

الذكاء لم يعد ادعاء أو شكلياً أو ناقلاً للمعلومة واستظهاراً لها، أو شخصياً متحوراً حول «الأنا»، أو تنافسياً لإثبات الوجود، وإنما الذكاء أصبح ذالك القادر على حل المشكلات واكتشاف الجديد والراصد للمتغيرات والتحولات والإدراك المرهف للأشياء والموجودات.

وتزداد أهمية الحس المرهف كوسيلة معرفية، وتعاظمت أهمية الروح والقيم والمشاعر والنفس والدين، عالمياً.

في ظل ظروف الحجر الصحي، والبقاء طويلاً في المنازل، والتباعد الاجتماعي، والعمل عن بُعد، يغدو التأمل ممارسة مُستنيرة؛ ضوءاً نُسلطه على أحوالنا، بما يتطلبه التأمل من صمت وفكر وتَدَبُّر وانتباه وسكينة ووعي كامل، وإصغاء لصوت الآخر ولحركة الفكر، وفتح للنوافذ على الآخرين وتجاوز «للأنا»، وحساسية ويقظه العقل، وتحرر من المخاوف، والتأمل أداة لفهم الذات، كما أنه يذهب بالإنسان للأبعد.

في الأزمات تزداد أهمية مهارة الانتباه الكُلي التام للأشياء والموجودات والموارد من حولنا بُغية معرفتها واكتشافها وحُسن التعامل معها، وهذا يساعدنا على الحُكم والتقييم والاختيار والمعالجة.

نشأة وباء كورونا وانتشاره في الكون فاجأ العالم؛ قلص الأعمال وقيد الحركة؛ وهذا يتطلب مراجعة ذاتية وكونية لأنظمة الصحة والاقتصاد والسياسة والاستهلاك والحياة الاجتماعية، وبالمقابل، نجد العالم قد توحد، رغم انقساماته، وإن كان بطريقة درامية، يبحث عن علاج للوباء في عقول الأطباء والباحثين، كما يبحث عن إجابات تخص الكون والحياة.

وهذا يستوجب الانتباه لكل معضلة في الأرض، حتى لا تتفاقم، وينبغي أن نرصد أنماط التفكير والشعور والكلام والأعمال والحركة اليومية وكل الحياة، بوعي، ليس لأجل حب السيطرة وبسط النفوذ، وإنما لنكتشف مصادر الضرر والإزعاج والتشوش والمعاناة، للانتهاء والتحرر منها، وحتى لا تقتحم حياتنا، ونتجنب الآلام، ونحفظ الوجود الإنساني، وجَمَال الكوكب، وهذا يعني بَذْل الحُب في كل اتجاه.

وكل هذا يتطلب بسالة وموقفاً سياسياً.