الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

أطباء الغلابة.. صناعة أمل

أطباء الغلابة.. صناعة أمل
ياسر محمد عطية الرئيس السابق بنيابة الاستئناف ـ أبوظبي

إن مهنة الطب من أنبل المهن وأشرفها، هذه المهنة الإنسانيّة التي يعمل بها من يحملون الرحمة في قلوبهم، ويتجوّلون كالملائكة بأرديتهم البيضاء، وابتسامتهم النبيلة، وأخلاقهم الطيِّبة مخففين عن المرضى آلامهم وأحزانهم وأمراضهم، وزارعين للبسمة على وجوههم، وستظل هذه المهنة في بلدنا الحبيب تحتفظ بتلك السمات الكريمة رغم ما قد يصيب الثوب الأبيض من بعض النقاط السوداء، إلا أن هذا لا يقلل من شرف المهنة ونبل القائمين، وإن كانت وسائل الإعلام قد سلطت الضوء على بعض الأطباء المخلصين ممن أطلق عليهم أطباء الغلابة، فقد اكتسح الطبيب المصري محمد مشالي الملقب بـ«طبيب الغلابة» وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث لمعرفة مزيد من المعلومات عنه.. وعرف أن د. مشالي لسنوات طويلة خصص قيمة للكشف في عيادته لا تزيد على 5 جنيهات، وزادت أخيراً لتصل إلى 10 جنيهات، وكثيراً ما يرفض تقاضي قيمة الكشف من المرضى الفقراء، بل ويشتري لهم العلاج في كثير من الأحيان.

وكذا الدكتور مجاهد مصطفى الذي اختير ضمن 5 أشخاص في مبادرة «صناع الأمل» العالمية بدولة الإمارات بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، والدكتور مجدي يعقوب طبيب القلب، تكريماً لرحلته الطويلة التي دامت 35 عاماً في خدمة فقراء قريته، بأسعار رمزيَّة لا تتجاوز 10 جنيهات، وقد رفض التعيين بالقصر العيني من أجل خدمة أبناء قريته.


إلا أن هناك نماذج أخرى تعمل في الخفاء، ولا يمكن إلا أن يطلق عليها «أطباء الغلابة»، فبحكم علاقاتي عاشرت كثيراً منهم، وشاهدت صوراً متعددة، وقد يكون الشخص في الظاهر ليس في تقشف الدكتور مشالي، فهو يعيش حياة اجتماعية تتناسب مع كونه طبييباً مشهوراً أو أستاذاً في أحدى أكبر كليات الطب، ولكن هذا لا يمنع أبداً أن يكون طبيباً للغلابة، فكثيرون منهم يوقنون في قرارة أنفسهم بأن جزءاً مما عملوه يجب أن يكون لله تعالى، والتماساً لنيل مرضاته وتوفيقه، وسأعرض بعض الأمثلة التي تؤكد وجود نماذج متعددة لأطباء الغلابة، فما أعلمه يقيناً أن أساتذة قسم المسالك البولية بمستشفى الأسكندرية الجامعي (الميري) تنازلوا عن أجورهم عن العمليات الجراحية لشراء المستلزمات الطبية المطلوبة لإجراء العمليات لعدم توافرها.


كما أنه في القسم ذاته هناك أحد الأستاذة متخصص في عمليات إعادة مجرى البول بعد الحوادث، وهي من العمليات المعقدة والتي تستغرق كثيراً من الوقت والجهد، وقد تتم على أكثر من مرحلة يقوم بإجراء تلك العملية بالمجان لمن يستحق مع متابعة الحالة في عيادته الخاصة.

وهناك صور أخرى عديدة خفيّة لهذه النماذج، فمن بين شباب الأطباء وأثناء سنة الامتياز من كان يجمع من الأهل والأقارب، مبالغ مالية لشراء مستلزمات طبية لأقسام الاستقبال.

وحقيقة لمستها بنفسي خلال عملي كوكيل للنائب العام، ومن خلال الانتقال لسؤال المصابين بالمستشفيات الحكومية، ورغم قلة الإمكانيات المادية في بعضها، إلا أنني وجدت إخلاصاً وتفانياً من القائمين على علاجهم، وذلك من خلال متابعة إجراءات العلاج وتطور الحالة والتي نلمسها.. فذلك أيضاً طبيب للغلابة ممن لا يستطعون تحمل مصاريف المستشفيات الخاصة وأعبائها.

وستظل مهنة الطب من أسمى المهن رغم ما قد يلوث ثوبها الأبيض من بعض الدنس، ولا يخفى علينا الدور البارز الذي يقوم به الأطباء ومساعدوهم وتضحياتهم خلال الأزمة التي نمر بها، أدام الله علينا أطباء الغلابة.. إنهم أولئك الذين قال فيهم الشاعر: إن أردت الشفاء فاقصد طبيباً حاذقاً ذا لطافة وذكاءِ .. واحترس أن يكون فظاً غليظاً فإن لطف الطبيب نصف الدواء.