الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تراجيديا الانفعالات.. وسيادة العقل

تراجيديا الانفعالات.. وسيادة العقل
د. منصور جاسم الشامسي باحث علمي ومستشار تنمية بشرية ـ الإمارات
عالمنا المعاصر ليس في مواجهة التراجيديا المُستجدة (وباء كورونا)، فحسب، بل أيضاً في مواجهة التراجيديا الدائمة (الانفعالات)؛ المتعلقة بالنفس البشرية، وهي أشد خطورة على سلامة وتقدم المجتمعات والأعمال والإنتاج؛ تُنتج سوء تقدير للوضع، وقسوة في التعامل مع الطرف الآخر، وتصنع بؤساً وقلقاً وخوفاً، كما تتصاعد إلى عنف مُنظم.

حادثة مقتل المواطن الأمريكي من أصول أفريقية (جورج فلويد) على أيدي شرطة ولاية مينيسوتا الأمريكية في 25 مايو الماضي، مثال على ذلك. الشُرطي الذي ارتكب جريمته، سواء بعمدٍ أو بغير عَمْد، حَرَّكَتْهُ انفعالاته النفسية التي ظهرت على شكل سلوك سلبي خارجي اتسم بالقسوة بلغ حَد القتل.

تراجيديا الانفعالات؛ ظاهرة قديمة، حالاتها متنوعة، ودرجاتها متباينة.. (تراجيديا جورج فلويد) تقودنا إلى تراجيديا مُشابهة؛ مقتل (الدكتور مارتن لوثر كنغ)؛ الأمريكي، الأفريقي ألأصل، الشخصية العالمية الكبرى، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، قائد حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم اغتياله في 4 أبريل عام 1968، بمدينة ممفيس بولاية تينيسي الأمريكية، من قِبل مواطن أمريكي أبيض مُسلح، وقد كان الدكتور مارتن لوثر رافضاً للعنف بكل أشكاله، لكنه وقع ضحية له، حين استهدفته قوى التعصب اليميني الأمريكية، كما أشارت بذلك التحقيقات الأمريكية.


كذلك، تراجيديا جورج فلويد، ومارتن لوثر كنغ تقودنا ما قبلها، إلى (تراجيديا مالكوم إكس)، القائد الحقوقي الأمريكي الأفريقي، وقد تم اغتياله في 14 فبراير عام 1965 بمدينة نيويورك، وكانت عملية اغتياله غامضة، و(التراجيديا) سارت عميقاً داخل حياة أسرة (مالكوم إكس)، فقد شهد والدُه مقتل أربعة من إخوته الستة على يد العنصريين البيض، وتعرض لمضايقات وتهديدات من قبل العنصريين بسبب نشاطاته الحقوقية، فرحل الأب إلى مدينة لانسنغ في ولاية ميشيغان عام 1928، وبعد عدة أشهر أحرقت منظمة كوكلوس كلان العنصرية منزل العائلة التي رحلت من جديد إلى ضواحي مدينة لانسنغ، وفي عام 1931 قُتل والد مالكوم بصورة وحشية على يد العنصريين، وقيل إنه مات دهساً، فقامت أمه بتربية أطفالها الثمانية دون مورد للرزق، لا سيما أن السلطات حجبت عنها كل الإعانات أو الحقوق المالية، وفي عام 1939 أصيبت أمه بانهيار عصبي فأدخلت مصحة للأمراض العقلية.


والسؤال هنا: لماذا تُرتكب جرائم ضد شخصيات عاملة، مكافحة، مُسالمة، مدنية، مثقفة؟ كحالة الضحايا الثلاث؛ لم يكونوا نُخباً غنية، أو ذوي مصالح متضاربة، وفي حالة (مارتن لوثر ومالكوم إكس)؛ كان، أيضاً، لهم خطابهم الاجتماعي المدني العالمي المهم الذي لا يزال مؤثراً وعامل تغيير مستمراً.

حقيقة؛ السلوك غير السويّ الذي دوافعه: (التمييز) و(العنصرية) و(الإقصاء) و(التهميش) و(الإزدراء) و(الإلغاء) و(الطبقية) يعكس انفعالات سلبية داخلية لدى مُرتكبيه، تجعلهم خطرين على السلامة العامة.

«الانفعالات» وجه من وجوه التراجيديا، وصانعة لها، وذات صلة بعِلم النفس وعلم الأعصاب.. الانفعالات مستقلة عن العقل، ومُنفصلة عن المعرفة، وهي (قوة مؤذية)، خارج نطاق العقل؛ وتحاول اقتحامه، وهي خفية وعميقة، تُقوض القدرة على التعقل، شبيهة بحالة «كهف» أفلاطون، حيث يسكن تجاويفه بشر يرفضون الحراك خارج نطاق كهفهم الذي اعتادوا عليه؛ أفراد مُتعصبون لذواتهم، لايخرجون لنور الشمس الذي هو نور العقل؛ هم أسرى رغباتهم وأهوائهم، يقلبون الحقائق، لديهم شعور بالفوقية تجاه الآخرين؛ تملكهم رغبات قديمة تحجبهم عن العدل، وتقييم تغيرات الحياة بعقلانية، وللانفعالات القدرة على تقويض سيادة العقل وتشوه عمله حين تشله عن التخطيط العقلاني العادل الحكيم.

لكن كيف نمنع حدوث تراجيديا الانفعالات؟.. أنظمة العمل، والجودة الشاملة: (Total Quality Management)، والمقاومة، والدساتير الحكيمة، تُساعد على مكافحة تراجيديا (الانفعالات)، وعدم منح أصحابها فرص تولي المسؤولية العامة.