الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

فؤاد حليم.. سعادته في خدمة مستضعفي الهند

فؤاد حليم.. سعادته في خدمة مستضعفي الهند
د. ثمامة فيصل كاتب وأكاديمي ـ الهند

الإنسان بفطرته مَيَّال إلى اكتساب المال.. إنه يَجْمعه ويُعَدِّدُه ويحسَب أنه يُخلِده، ثم من منّا لا يرغب في جمع المال؟.. فهو قوام الحياة وعمادها.. وهكذا يعتقد كثير من الناس، بل معظمهم، ولكن القلة القليلة منهم لا تؤمن بمركزية المال في مسيرة الحياة، بل إنها تضع الإنسانية في الصدارة، وتعدها جوهر وجود الإنسان ومصدر سعادته الحقيقية.

لا شك أن أولئك على الصواب ـ كما أعتقد ـ لأن المال قد يوفر لنا أسباب الراحة المادية والحسية، ولكنه لا يُجزل لنا دائماً من الراحة النفسية والروحية مما تتعطش له النفس في نهاية الأمر، بينما الإنسانية على العكس من ذلك تمنحنا - لا محالة - تلك الراحة النفسية والسكينة والطمأنينة التي هي ضالتنا المنشودة في هذه الحياة الصاخبة، بل توصلها عن طريقنا إلى الآخرين الذين لا يكادون يجدون إليها سبيلاً، وأحسب أن الطبيب الهندي الدكتور ـ فؤاد حليم من ولاية بنغال الغربية ـ من تلك القلة القليلة التي تؤمن بأن الإنسانية، وليس المال، هي المنبع الأصيل للسعادة الحقيقية، وللعلم فهو من أسرة ذات مكانة علمية رفيعة، وخلفية سياسية قوية، حيث إن والده كان نَشِطاً في السياسة الإقليمية.


أسّس الدكتور فؤاد مستشفى في مدينة كولكاتا عاصمة بنغال الغربية عام 2008م، وظهر المستشفى كمركزٍ متخصصٍ لعملية غسيل الكُلى، مُجَهَّزٍ بأحدث الآلات والتقنيات اللازمة لإجراء هذه العمليات، ولأنه رجل ذو رؤية ثاقبة واضحة متمثلة في خدمة الإنسانية، فقد أحس بمعاناة الفقراء والمساكين الذين لا تسمح لهم ظروفهم المادية بالتعالج في المستشفيات الخاصة، ففتح باب المستشفى منذ تأسيسه على مصراعيه لمن لا يقدر على دفع الرسوم الباهظة المطلوبة في المستشفيات الأخرى لعملية غسيل الكلى، وحدَّد 500 روبية هندية كرسوم لعملية غسيل الكلى، ولم يلبث أن خفَّضها وجعلها 350 روبية، وكان ذلك مبلغاً زهيداً للغاية مقابل هذه العملية.
إن الإنسان الذي يرفرف قلبُه لخدمة الإنسانية، ويتدفق بعواطف الشفقة والرحمة لا يحده شيء عن تحقيق عزمه وإرادته، ولا يثنيه شيء عن طموحه وحماسته، فإنه يشبه أرضاً مِعطاء ومَرْجاً خصيباً، وبطلنا الدكتور فؤاد من هذا النوع من البشر، فلما انتشرت جائحة كورونا وبطشتْ بالدنيا بطشتها الشديدة في الآونة الأخيرة، واكتظت المستشفيات بمرضى الجائحة، وأُغلقت أبوابُ كثيرٍ منها في وجه المصابين بأمراض فتاكة أخرى، وجد الدكتور فؤاد فرصة سانحة أمامه لخدمة الإنسان، وأخذ قلبه يرفرف بمشاعر الإنسانية، فخفض رسوم عملية غسيل الكلى في المستشفى حتى صارت كأنها «مجاناً»، فأنزلها إلى 50 روبية هندية فقط مقابل إجراء هذه العملية.


وقد أجرى الدكتور فؤاد مع فريقه الطبي أكثر من ألفي عملية من هذا النوع حتى اليوم مقابل رسوم زهيدة، ولو أراد أن يكسب بها المال لاستطاع ذلك، ولكنه فضَّل خدمة الإنسانية على خدمة الذات، لأنه عرف بل تيقن بأن السعادة الحقيقية مضمونة بها فحسب دون سواها.

واعترف الدكتور فؤاد في بيان له أدلى به لصحيفة هندية بأن: هذا المستشفى لا يقع في بناء شامخ، ولا يملك أثاثاً فاخراً ولا توجد فيه قاعة انتظار مكيفة مثل كثير من المستشفيات، فهذه الأشياء لا تهمه ولا تعنيه أصلاً، ولا يُعيرها أيَّ اهتمام، وإن كل ما في حوزته من المال هو مخصص لمعالجة المرضى من طبقة البؤساء والمعوزين.

تلك هي رؤية الدكتور حليم، وهي رؤية قوامها خدمة الإنسانية، وهي الهدف الذي جعله نصب عينيه، وهي الغاية التي يتوخى بلوغَها.. إنه البطل الحقيقي الحي، الذي قليلاً ما يسترعي أمثالُه انتباهَنا، ونادراً ما نحاول الاقتداء بهم.