الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

واشنطن.. وإدارة «مشروع تقسيم ليبيا»

واشنطن.. وإدارة «مشروع تقسيم ليبيا»
د. محمد مسعود الأحبابي باحث سياسي ـ الإمارات

إن تاريخ النزاعات الحاصلة في أرض العرب يشهد بأنها لا تخلو من تدخلات أجنبية تحكمها مصالح خاصة يدور فلكها حول ثروات المنطقة، وعندما يتداخل العديد من الأطراف الأجنبية القوية، وتتعارض مصالحها فلا بد من التوصل إلى اتفاقات بين الأطراف المتداخلة، تتم في الخفاء، وترمز إليها بعض التصريحات البرّاقة التي يتجه ظاهرها نحو الرغبة في إحلال السلام في المنطقة، وأي سلام هذا المبني على نهب الثروات، واستحلال الحقوق؟

ولست في حاجة إلى كثير من التأمل، للتوصل إلى هذه الحقيقة، إذا نظرت في الميزان العسكري المقنِّن للحرب الليبية، وفيما وقفت عليه القوتان المتنازعتان بالشرق والغرب الليبي، وفي نوايا الأطراف الأجنبية التي لم يدفعها إلى إقحام نفسها في هذا الملف الليبي سوى الحصول على نصيبها من ممتلكات الشعب الليبي، فالمشهد العسكري هناك يعجّ بالعديد من القوات المتزاحمة، منها ما هو محسوب على الجيش التركي، أو العناصر الروسية التابعة لشركة «فاغنر»، أو القوات الإيطالية في مصراتة، أو القوات المتواجدة بقوة «أفريكوم» في تونس وعلى مقربة من الحدود الليبية.


وعبْر النظر في الزاوية المقابلة الممثلة في تكثيف الحضور الإماراتي المصري الفرنسي اليوناني شرق البحر المتوسط وشمال السواحل الليبية وجنوب قبرص وكريت، تنجلي الرؤية بشأن الاتفاقات السرية التي جرت وراء الكواليس بين الأطراف المتداخلة في الملف الليبي، وتحديداً بين القطبين الكبيرين، وهما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وقد انتهت تلك الاتفاقات إلى أن تمتلك حكومة الوفاق القوة البحرية عبر وجود فرقاطات وبوارج الجيش التركي المرابضة بسواحل غرب ليبيا بمدينتي مصراتة وطرابلس.


بينما يمتلك الجيش الوطني الليبي القوة الجوية عبر المروحيات الروسية ليظل الميزان العسكري متوازناً بين حكومة الوفاق والقوات المسلحة العربية الليبية، بما يضمن توازن كفّتي النزاع، واستمرارية الحرب في ليبيا، وهو هدف بريطاني أمريكي لا يتغير كثير من ملامحه في ليبيا أو سوريا أو اليمن، ولنا عبرة في تصدي بريطانيا لمحاولة الإمارات لتحرير ميناء الحديدة كي لا يختل ميزان القوى بين المجلس الانتقالي الجنوبي وباقي الأطراف الإرهابية بالميدان اليمني.

الولايات المتحدة تهدف من تواجدها في ليبيا إلى إخراج روسيا من شمال إفريقيا أولاً، ومناكفة فرنسا ثانياً، سعياً وراء هدفها الأعظم، وهو التحكم في النفط والغاز الخارجين من ليبيا نحو أوروبا، وفي مسارات الطاقة الواردة لأوروبا، فما كان انسحاب 12 ألف جندي من الجيش الأمريكي من ألمانيا إلا ليّ ذراع برلين التي فتحت بابها على مصراعيه أمام الغاز الروسي، حيث تم نقل جزء من هؤلاء الجنود إلى بولندا التي تنفذ مشروع «أنبوب غاز البلطيق» لإخراج: بولندا، الدنمارك، النرويج، وأوكرانيا مستقبلاً من هيمنة الغاز الروسي، بينما نقلت بقية الجنود إلى جنوب إيطاليا، حيث بوابة غاز شرق المتوسط لأوروبا، كي تضمن واشنطن سيطرتها على أنابيب مصادر الطاقة القادمة للدول الأوروبية.

أما فلاديمير بوتين فقد نزل الميدان الليبي كي يقف القيصر على بعد أقل من 400 كم من الأسطول الأمريكي السادس الموجود بجنوب سواحل باليرمو الإيطالية، الأمر الذي سيمثل تهديداً صريحاً لأضخم أسطول خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وما تفعله روسيا يهدف لمساومة الأمريكي بين سوريا وليبيا، فالهدف الروسي المنشود من الوجود في ليبيا هو تسليم سوريا له مقابل تخليه عن ليبيا لواشنطن.

وبعد اتفاق الأطراف الكبرى المتداخلة في الملف الليبي بشأن ميزان القوى العسكرية بين طرفي النزاع بالميدان الليبي، اتفق القطبان الكبيران بجانب باقي الأطراف على تنحية العديد من الوجوه القديمة في طرابلس أو بنغازي قبل حلول مارس المقبل، حيث موعد الانتخابات المنتظر، فأغلب الوجوه الحالية في الشرق أو الغرب الليبي باتت مرفوضة تماماً من خصومها بعدما صارت عبئاً على داعميها.