الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«السقراطية».. والمحاورات الإيجابية

«السقراطية».. والمحاورات الإيجابية
د. محمد سعيد حسب النبي أستاذ جامعي ـ مصر

يمشي حافي القدمين رغم عبقريته الفذة، تزوج بعد أن تجاوز الأربعين من عمره، وكأنه لم يحظَ بمظهر يجذب إليه نساء عصره، لكنه فعل ما لم يفعله أحد قبله، فقد استطاع أن يغير مجرى التفكير الإنساني، وأن يظل، حتى بعد قرون متطاولة من وفاته، أحكم المفكرين وأبرع المَناطقة الذين عرفهم العالم، إنه شيخ الفلاسفة «سقراط».

لقد استخدم سقراط طريقة بديعة في الإقناع، حيث لم يقل لأحد قط إنه مخطئ، حتى عُرفت طريقته بالسقراطية، والتي تعتمد على استدراج من يحاوره إلى قول «نعم»، فكانت أسئلته تجبر محاوره على التوافق معه في الرأي، ومن ثم تتوالى استجابات محاوره حتى يجد نفسه قد انتهى إلى مبدأ كان ينكره قبل محاوراته مع سقراط، كما لو كانت الفكرة فكرته، والإجابة الصحيحة إجابته.


إن كلمة «لا» تثير مشاعر نفسية يصعب التعامل معها، وحينما نطلقها، يصعب التراجع عنها، حيث نتمسك بها حتى وإن بدت الاستجابة غير صحيحة، إنه الكبرياء الإنساني الذي يمنعنا من الاستسلام للآخر.


وبراعة سقراط تكمن في استجلاب أكبر عدد ممكن من الإجابات «بنعم»، وبذلك تصبح الذهنية إيجابية يصعب التحول عنها، فتقود إلى جذب الانتباه نحو الهدف المراد، إضافة إلى أن سقراط كان يُشعر محاوره بعدم المعرفة، لكنه يسعى للبحث عنها، ومن أقواله الخالدة في هذا السياق: «أنا لا أعلم شيئاً علم اليقين.. إلا أني لا أعلم شيئاً».

إن المحاورات الإيجابية تجنب النزاعات الشخصية، وتشعر أطراف النقاش أن النتيجة واحدة، وأن الفوارق في الوسيلة وليس الهدف، وهكذا نال سقراط منزلته مدركاً أن من أراد أن يكون في مقدمة الناس لا بد أن يتوارى خلفهم، وأن المحاورات الإيجابية تستجلب نبيل الدوافع الإنسانية.