الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

صناديق الثروة السيادية.. وإنقاذ الأوقات الصعبة

صناديق الثروة السيادية.. وإنقاذ الأوقات الصعبة
د. خالد رمضان متخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية ـ مصر

ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه صناديق الثروة السيادية أو«الحصَّالات الحكومية» في دعم اقتصادات الدول المتضررة من جائحة كورونا؟ خاصة أن هناك تجربة ناجحة لتلك الصناديق أدت للانعتاق من تبعات الأزمة المالية العالمية التي تفجرت عام 2008، عندما ضخت مليارات الدولارات في المصارف فأنقذتها من الإفلاس المحقق، وأبقت موظفيها بالتالي على رأس العمل، علماً بأن بعض الحكومات تفضل خفض الإنفاق والتقشف عن اللجوء إلى صناديقها السيادية، بينما لا تتمكن حكومات أخرى من فعل ذلك بسبب قواعد تنظيمية بحتة، إلا أن حجم الأزمة الراهنة يضغط بقوة في اتجاه استعمال خيار السحب من الحصالات، بالرغم من ضبابية توقيت إعادة ملء هذه الصناديق مرة أخرى.

لقد راكمت الصناديق السيادية مبالغ طائلة على مدى سنوات ساعدت في التعامل مع الأزمات طويلة الأمد، ويبدو أن تفاقم عجز الميزانية سيؤدي بكثير من الدول بعد احتواء الجائحة للاعتماد الكامل على تلك الصناديق لتحقيق التوازن بين مسؤولياتها العامة ومصالح القطاعَين العام والخاص، إذ تشير التقديرات الموثقة إلى وجود حوالي 100 صندوق سيادي عالمي تمتلك 8.1 تريليون دولار، ما يعني أن إجمالي الأصول المالية المتاحة للصناديق السيادية تتجاوز القيمة الإجمالية للأسهم الخاصة والأصول المتاحة لصناديق التحوط، والملاحظ أن الدول الآسيوية تهيمن على المشهد عبر حيازة 19 صندوقاً تمثل أصولها 21.34% من إجمالي أصول الصناديق العالمية، بينما تقدر صافي الأصول المالية للدول الخليجية بأكثر من 2.5 تريليون دولار، إذ تملك صناديق الثروة الخليجية حصصاً كبرى في شركات بارزة داخل أوروبا والولايات المتحدة، مثل: توتال الفرنسية للغاز والنفط، وفولكس فاغن أكبر مصنع أوروبي للسيارات، فضلاً عن الاستثمار في الأسهم الخاصة، وسندات الخزانة الأمريكية، والبنية التحتية والتكنولوجيا الجديدة، وقطاع العقار الأوروبي.


وبالرغم من أن النمو المتواصل للصناديق السيادية، التي بدأت على استحياء في خمسينيات القرن الماضي، يعد تعبيراً صارخاً عن حالة الخوف المرتبطة بتكرار الاختلالات في الاقتصاد الدولي، إلا أن تلك الظاهرة باتت الآن تتمتع باستقلالية ملحوظة عن تلك الاختلالات التي عادة ما تصاحب الدورات الاقتصادية، حيث تضطلع تلك الصناديق بمهمة تنويع مصادر الدخل عبر تنويع أنماط الاستثمار للأصول المالية، وهذا أمر مهم جداً للدول التي تعتمد بشكل شبه مطلق على الإيرادات النفطية.


خلال العقدين الماضيين، عززت الصناديق السيادية الخليجية، الاستقرار والنمو الاقتصادي، وعظمت من قدرة الاقتصاد الكلي على إدارة الفوائض المالية الكبيرة، عبر تحويل الإيرادات الزائدة إلى قنوات استثمارية، وبالتالي خففت الضغوط التضخمية المحتملة في تلك الدول، وقد نجحت هذه الصناديق في حماية الاقتصاد الخليجي من ارتفاع أسعار صرف العملات المحلية، ومن تراجع القدرة التنافسية الخارجية للصادرات المحلية وزيادة الواردات، وعبر استثمار تدفقات رأس المال إلى الخارج، استطاعت الدول الخليجية الحفاظ على سعر صرف ثابت في مواجهة الهزات الاقتصادية الكبرى، خاصة عندما تتراجع أسعار النفط بشدة.

مثلت عوائد الصناديق السيادية رافداً إضافياً للدخل القومي، ونجحت في تعزيز القدرات الاستثمارية للدول، وأسهمت بشكل ملحوظ في رفع مستوى المعيشة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي على الأمد الطويل، وتعزيز القدرة الاقتراضية للدولة مالكة الصندوق السيادي، إذْ تمكنها دون صعوبات تذكر من الاستدانة عبر الأسواق الدولية بأسعار فائدة متدنية، خاصة أن حيز الأموال العامة آخذ في النفاد في بعض الدول، ولا سيّما الأسواق الناشئة، والدول

منخفضة الدخل.