السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

فيسبوك.. ساحة أولى للكتابة الأدبية

فيسبوك.. ساحة أولى للكتابة الأدبية
د. معراج أحمد الندوي أستاذ بجامعة عالية كولكاتا - الهند

للتواصل أهمية كبيرة في حياة الإنسان، فهو السبيل الذي يضمن مشاركة الفرد في المنظومة الاجتماعية بحثاً عن ذاته وهويته.

اليوم، تغير مفهوم التواصل والتقارب بين الأفراد، واكتسب معناه الاجتماعي من تعزيز العلاقات بين بني البشر، ولذلك أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، وفيسبوك على وجه الخصوص، تشكّل وسيلة مهمة للحياة الاجتماعية.


ويمثل التواصل الإلكتروني في الوقت منظومة جديدة تختلف عن المنظومة المشهديّة، وتحقق مجالاً شبكياً يتحول فيه الإنسان باستمرار بين موقفي الإرسال والتلقي، ولا يتوقف الأمر في قدرته على التقريب بين الناس البعيدين، بل في صياغة نوع من علاقات وصداقات افتراضية، وتبادل خبرات بين أناس من بيئات وثقافات مختلفة.


لقد احتل موقع فيسبوك مكانة أساسية في عالم التواصل الفكري والاجتماعي في العالم، ولم يكن أحد يتوقع أن يصبح التواصل بين الناس عبر شبكة إلكترونية ممتدة في جميع قارات العالم، وقد أتاح هذا الموقع بشكل خاص لمئات الملايين من البشر أن يعبروا عن أنفسهم، وأن يتلقوا ردوداً على تلك التعبيرات ممن يشاركونهم في فيسبوك.

يوفر فيسبوك أساساً موقعاً للصداقة، ويساعد على تبادل المعلومات والأفكار، ولكن يسهم تحديداً في إخراج الكثير من التجارب الإبداعية من دائرة التجاهل إلى الاعتراف الرمزي والعبور إلى القارئ في شتى بقاع العالم، ذلك أن سهولة التواصل عبره وممارسة المتواصلين نشاطهم ـ علمياً وأدبياً وثقافياً ـ أدى إلى تشكيل نقطة لقاء تجتمع فيها الأفكار الأدبية.

إن كثيراً من مستخدمي فيسبوك يجدون في هذا الموقع الاجتماعي مساحة للتعبير بحرية، عما يجول في خواطرهم من أفكار وآراء، وكل ما يجري حولهم في القضايا الاجتماعية والسياسية والفكرية والأدبية، ومشاركتهم يومياتهم وتفاصيل حياتهم، التي ارتضوا أن يجعلوها مشاعة أمام أنظار الأصدقاء.

ويسهم فيسبوك في إثارة ملفات كثيرة تحولت إلى قضايا رأي عام، ويتيح تفاعلاً سريعاً بين الكاتب والقارئ من خلال المشاهدات والتعليقات، وهو ما يحقق تبادلاً للأفكار، ولقد أصبح فيسبوك مسرحاً كبيراً يجمع جمهوراً عريضاً من شرائح متعددة، إلا أن معظم ما يتم نشره لا يعد إلا من قبيل الخواطر الآنية والكتابات الانفعالية.

إن من يتواصل على فيسبوك ويطرح أفكارأً أدبية وفكرية على جداره، يكتب بالدرجة الأولى للتعبير عن ذاته، فممارسة الحرية هنا هي الدافع الرئيسي في الكتابة الأدبية على فيسبوك، وهي ممارسة ما قبل أدبية بشكل ما، وهي ممارسة فوق أدبية بشكل آخر.

الكتابة ليست ترفاً وليست لهواً لمن يعرف قيمتها وقدرها، وكثير من النصوص الأدبية على فيسبوك، هي خواطر صدرت من أعماق القلوب، فلم تجد غير فيسبوك طريقاً للتعبير عن الذات.

والكتابة هي تعبير عما يختلج في نفس الإنسان، والأدب عموماً هو تعبير عن هواجس الإنسان وأفكاره ومشاعره وأحلامه بلغة راقية سواء كانت شعراً أو نثراً.

واليوم صح الإطلاق صفة ورشة أدبية ونافذة وصل بين كتاب وشعراء من أنحاء الأرض كافة، وبمختلف الثقافات والتوجهات على فيسبوك، إذ لعب هذا الموقع دوراً كبيراً في التبادل الثقافي والمعرفي والأدبي، وهو وسيلة مهمة للتقارب بين الأدباء، وفضاء وسيع نكتشف فيه دون مواربة الإنسان الذي يقبع خلف ما اعتدنا قراءته من حروف.

لقد أثبت فيسبوك قدرته الفائقة على الوصول إلى القراء والكُتَّاب البارزين والناقدين والمفكرين، ولا يمكن لنا أن نغمض أبصارنا عن دوره الإيجابي في عالم الكتابة، ناهيك على أن فيسبوك يعدّ ساحة أدبية أولى يبدأ منها الكاتب المبتدئ ممارسة الكتابة الأدبية، ثم يدخل عالم الكتابة في المجلات والصحف والجرائد.