الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

لبنان اليوم.. وكتاب «الأيادي السوداء»

لبنان اليوم.. وكتاب «الأيادي السوداء»
نبيل عرابي كاتب ــ لبنان

«التاريخ يكرر نفسه».. عبارة تتردَّد على ألسنتنا كلما حصل أمر ما، سبق أن وقعت أحداثه في وقت مضى، وترك أثره في الحياة ليتحول فيما بعد إلى صفحة مكتوبة بحبر يصعب التخلص من آثاره مهما مر عليه الزمن، وهذا التكرار ينطبق بشكل كبير على ما جرى وما يجري في لبنان بنسبة تكاد تقارب 100%، وعلى جميع الأصعدة تقريباً.

ما دفعني إلى هذه المقدمة هو ما أورده النائب السابق نجاح واكيم، في كتابه (الأيادي السود)، الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت، بطبعته العاشرة عام 1998، وضمن فصل مستقل تحت عنوان «النفط» (ص 257 –263)، بدأ كلامه بالآتي: «قد يكون النفط من أهم القطاعات التي تجلب الربح للدولة، بعد رفع الدعم عنه، لو كانت هي المسؤولة عن استيراده، لكن هذا القطاع الإنتاجي، هو كسائر القطاعات الأخرى التي تديرها شركات خاصة، تتقاسم أرباحها مع أصحاب النفوذ في السلطة».


وبعد أن أجرى مقارنة بين الفاتورة النفطية لعامَي 1996، و1995، ذكر الأرباح المحققة، إذا تمّ استيراد النفط مكرراً، أما إذا أعيد تأهيل وتشغيل مصفاتَي طرابلس والزهراني، فإن هذه الأرقام ستتضاعف مرتين أو ثلاثة.


وطرح السؤال البديهي لمحصلة هذه الأرقام: «لماذا لا تضع الدولة يدها على هذا القطاع، وتصبح المستورد الوحيد لمادة النفط.. خصوصاً أنها تشكل المستهلك الأول لهذه السلعة؟»، وكان جوابه: «لو لم يكن أصحاب القرار في السلطة مستفيدين من إبقاء عملية الاستيراد بين الشركات، لبادروا فوراً إلى وضع اليد نهائياً وكلياً على هذا القطاع، الذي بأرباحه الطائلة يسهم في سد عجز الخزينة»، مستنداً في ذلك إلى «أن وسائل الإعلام تناولت هذا الموضوع طويلاً، وأشارت إلى أسماء كبيرة مستفيدة من هذا القطاع»، ومن هذه الوسائل «تلفزيون الجديد»، وذلك عبر سلسلة تحقيقات بثها عبر شاشته، معرفاً المؤلف إياها باسم الفضائح النفطية.

وكذلك صحيفة «النهار» التي قامت أيضاً بكشف العديد من هذه الفضائح والصفقات، ذاكرة: أن كلاماً مصدره مسؤول في وزارة المال، ينفي أن تكون الوزارة قد تسلّمت أي مبالغ سواء أكانت من أرباح محققة من هذه الصفقات، أم استرجاعاً لأثمان محروقات تمّ بيعها.

يضاف إلى ذلك كلام منسوب أيضاً لمصدر مسؤول في وزارة المال، يفيد بأن صفقات الفيول أويل، تجري بالتراضي لحساب مؤسسة كهرباء لبنان.

ويخلص الكاتب إلى أنه: «إذا ما أضفنا إلى الصفقات التي أجريت بالتراضي، والسرقات التي تتم.. والرسوم التي وضعتها الدولة على سعر صفيحة البنزين، والتي بلغت 5000 ليرة عن كل صفيحة، لوجدنا أن المواطن اللبناني يدفع مبالغ هائلة ثمناً لكل هذه الصفقات والسرقات»، وهذه المبالغ يدفعها على مرحلتين، المرحلة الأولى: مباشرة عبر زيادة سعر البنزين، وزيادة تعرفة الكهرباء، والمرحلة الثانية: عبر الغلاء على وسائل النقل والبضائع والمواد، التي ستتأثر أسعارها حكماً بزيادات الرسوم على البنزين والكهرباء.

ويختم واكيم كلامه في هذا الفصل بالقول: «نلاحظ أن كل مشروع من المشاريع التي تقوم بها الحكومة، كان يمكن، لو أنه نُفذ بالطرق القانونية والشرعية، أن يجنّب الخزينة العامة خسائر فادحة تفوق ملايين الدولارات التي تكفي لتغطية سلسلة الرتب والرواتب، أو لإنشاء صناعات وطنية جديدة تحرّك الاقتصاد الوطني، أو لدعم قطاع الزراعة أو التربية، أو أي قطاع آخر يعاني من إهمال مُريع، وتجنّب الدولة أيضاً الاستدانة من الخارج لسد عجز الخزينة».

إنها عيّنة صغيرة مما تضمنه كتاب نجاح واكيم، والتي تدفعنا إلى التساؤل اليوم: أليس من الواضح أن التاريخ يعيد نفسه في لبنان؟ ولكن الأهم هو: إلى متى ستبقى الحال على ما هي عليه من هذا التكرار؟