الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«ذكورية المبادئ الفرعونية».. وضبابية الأعراف

«ذكورية المبادئ الفرعونية».. وضبابية الأعراف
آية رائد حسن محللة استراتيجية وكاتبة ـ فلسطين

عبر مختلف العصور كانت الذرية الصالحة هي إحدى النعم المدرجة ضمن آيات الخالق الناطقة، أو يُهيأ لي بأنها التصوير البلاغي لعمار هذا الكون، إلا أننا مع ترعرعنا في ضبابية اجتماعية مسيجة، كدنا نغفل أن لرب هذا الكون حكمة في الأرزاق والعطايا تفوق ذلك الحسر الذي يعتلي عرش عقولنا، فتواجهنا تحديات اجتماعية لا يدرك المرء أنه يضنى بها ومنها، حيث ما نزال نمجد الذكور على الإناث منذ ميلاد النطفة في الرحم، لنغذي شرايين ذلك النبض البريء بالبرجوازية.

لقد حضر الفخر والعزة، وهلّ وريث العرش والسلطان، وبالتالي تستوطن البصمة الشرقية على ذلك الكيان حتى ينضج، لينشأ «شيخ الشباب» خارج كل حدود القوانين والضوابط في عالم شعاره الغفران المطلق والتمجيد والمراهقة الأبدية.


ونكون قد ضمنا بذلك غرس الأسس الأولى للمبادئ الفرعونية ليصبح مؤمناً بمفهوم وهمي، قد استدرج عقله منذ زمن حتى توطن بأن الذكر لا يعيبه شيء، وهو الفرد الآمر الناهي، ولكل تصرف مبرر عند حافة المجتمع المتأهب.


وبما أن الحكم متوارث فيبدو لنا أن ذلك الشاب يتمتع بصلاحيات منصبه المرموق منذ بلوغه، فنستطيع بتلك النشأة المنحدرة الاعتماد عليه في حماية أهل البيت بأي وسيلة كانت، ولو لزم.. يباح له الضرب والعنف وحتى القتل! فالجريمة في سجلاته عادةً تندرج تحت مسمى «الشرف»، ولا بد أنه صانه بسفك دم أخته المتزوجة من رجل لم تطابق مواصفاته معايير موافقته شخصياً! المشين فعلياً أنه، بعذر العادات والتقاليد والأعراف، يفلت من العقاب.. فهو الرجل الذي لم يعتد على الحساب والقصاص.

إذن، بالتالي لا يحق لنا أن نفجع على هذا النوع من الجرائم لأننا ببساطة قد حصدنا ما زرعنا، وكنا قد مهدنا لهذا اليوم بجوارحنا وكامل إرادتنا، وبرأيي تصبح تلك الشخصية الهلامية بغشاوتها السطحية جريمة مجتمعية تتعدى فناجين العطوات العشائرية.

وإن كنا نعتقد أنه قد دغم الغيث أرضنا بتلك الجرائم، فنحن لم يتسنَ لنا التعرف إلى بطولاته كزوجٍ ورب أسرة، غير أن ارتباطه هو إحدى الرغبات الملحة للتفاخر بنسبه وهو أيضاً يتماشى تحقيقه مع الأيديولوجيا المعششة في عقله وتصقيلاً لمفاهيمه الشرقية، فهو بذلك العقد في مهمة يجب عليه الحفاظ على مركزه بشتى المنافذ لتكون ندوب تلك السيدة وجهادها النفسي ساحة الانتصار، ويبقى تمجيده حياً قائماً في ذلك المجتمع، لو اعتبرنا أنه لاذ بالفرار.

برأيي ما هو محزن، فعلياً، أن تعتقد ابنته أو ابنه أن هذا هو نهج الرجولة، واستخدام العنف سواء اللفظي أو الجسدي هو السلاح لإثبات الرأي وفرض السيطرة، ولغة الحوار محرمة ولا نراها إلا على شاشات التلفاز في نص قد سبق أن تمت مراجعته عدة مرات.

لم أتوقع أن يأتي يوم أصف الضحايا بالأشقاء أو حتى أربط ذكرهم تحت بند الجريمة، لربما حان الوقت لنقيم أفكارنا، ولو أعدنا ترتيب مسؤولياتنا التربوية كأب وأم، وتنحينا بقيمنا عن الأعراف المتقشرة وشرعنا بالعدل ووأْد التفضيل داخل مملكتنا، وحرصنا على سن الحدود والعقوبات على كلا الجنسين، لأنتجنا أفراداً ينعمون بالثقة الفطرية، حريصين على الفضيلة والتماسك الأسري، ففي نهاية الأمر نحن صناع التغيير، وما كانت تلك المعتقدات والعادات كتاباً منزلاً ولا دستوراً!