السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

كورونا.. وفيلم «اليوم التالي»

كورونا.. وفيلم «اليوم التالي»
د. محمد شطاح مدير برنامج الاتصال والإعلام جامعة العين ـ أبوظبي

تذكرتُ الواقعة المذكورة أسفله وأنا أطالع في الصحف والمواقع خبر أن جائحة كورونا تسببت في ارتفاع مشاهدة عدد من الأفلام القديمة، ومنها فيلم «كونتجين» «Contagion» الذي عرض سنة 2011 والذي يحكي عن انتشار فيروس مميت شبيه بفيروس كوفيد-19، وفيلم «اليوم التالي» «The Day after» لسنة 1983 الذي يحكي نشوب صِدام نووي بين القوتين العظميين آنذاك، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية.

كنّا 3 طلاب في الفصل الأخير من الدراسة بقسم الإعلام والاتصال، ورابعنا زميل قدم الى العاصمة من إحدى المدن الساحلية لقضاء أسبوع من الراحة والاستجمام.


نزلنا إلى قلب المدينة رفقة ضيفنا.. تناولنا الغذاء في أحد مطاعمها، وألحقناه بأكواب قهوة «إسبريسو» مركزة.


كانت الجلسة رائعة، تخللتها لحظات من الفكاهة والضحك، بعدها شرعنا نفكر أين نقضي باقي الأمسية.. أجَولة على كورنيش المدينة؟ أم زيارة إلى أحد متاحفها؟ واهتدينا أخيراً إلى أن نذهب إلى السينما لمشاهدة فيلم كان يومها محل حديث التلفزيونات والصحف والمجلات الفنية المتخصصة في النقد السينمائي والتلفزيوني، وكنّا حينها ندرس مساقاً ضمن سيمنار بعنوان «السينما والمجتمع».

كان الفيلم بعنوان «اليوم التالي»، «The Day after»، لمخرجه نيكولاس ماير، ومؤلفه إدوارد هيوم، وقد عرض لأول مرة على المحطة الأمريكية (ABC)، وشاهده أكثر من 100 مليون شخص، من حوالي 39 مليون أسرة، واستغرق إنتاجه 3 سنوات، وبلغت تكاليفه آنذاك 7 ملايين دولار. اقتطعنا التذاكر، وولجنا داخل القاعة المظلمة، وبدأ الفيلم، بعد أن سبقته ومضات إشهارية، واندمجنا جميعاً في مشاهده، التي تفترض نشوب توتر بين دول الناتو ودول حلف وارسو، ليتحول إلى حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، حيث تجري أحداث الحرب، في مدينة «كانساس سيتي» بولاية ميزوري، بالقرب من مواقع منصات الصواريخ النووية.

يبدأ الفيلم بصور عن حياة عادية في مدينة لورنس سيتي، لينقل لاحقاً مناظر لتزاحم الناس في سوبر ماركت المدينة، بعد أن علموا بأن الاتحاد السوفييتي سيرد على الهجوم الأمريكي في أي لحظة، وبعد أن يحدث ما تم توقعه يعرض الفيلم صوراً للدمار، إذ ينقطع التيار الكهربائي، وتتعطل محركات السيارات، وتندلع الحرائق، و تتحول الأجساد الى هياكل بشرية في ثوانٍ، وسط دمار للبنايات، وعشرات السيارات تحت الأنقاض.. إنها باختصار صور للفوضى العارمة في عين المكان.

عرض الفيلم خلال ساعتين وربع صوراً يائسة، بائسة، حزينة، مصحوبة بمناظر رمادية وقاتمة السواد أحياناً.

انتهى الفيلم، خرجنا نحن الأربعة إلى الخارج، ورحنا نمشي دون هدف، ولم يكلّم أحدنا الآخر، وكان الجميع ما يزال تحت تأثير مشاهد الفيلم، وفجأة قطع سكوننا وسكوتنا زميلنا الضيف، قائلاً: أريد العودة هذا المساء إلى بلدتي.. أين محطة الباصات أو القطار؟ أجبته، متسائلاً: ما خطبك؟ لم يمضِ على قدومك أكثر من يومين! رد صاحبنا: قلت هذا المساء، يعني هذا المساء! سألته: وماذا عن حقيبتك؟ قال: اتركوها أو أرسلوها مع أيّ شخص يأتي إلى البلدة لاحقاً الأيام المقبلة!

لم يتحدث أحد من الزملاء.. وحوّلنا وجهة السير نحو محطة القطار، وما هي إلا دقائق، ودّعنا صاحبنا، الذي اختفى وسط زحمة المسافرين، وولينا الأدبار إلى إقامتنا دون أن يتحدث أحد إلى الآخر إلا في «اليوم التالي»، بعد أن خفَّت الصدمة، وانجلت سحابة الخوف والحزن الذي سكننا طيلة تلك الأمسية.

صدمة الفيلم لم تمسّنا نحن الثلاثة فحسب، بل مسَّت الملايين ممن شاهدوا الفيلم، فقد قرأت لاحقاً عن وقع الفيلم على المشاهدين خاصة في أمريكا، فصوّر أحد المشاهدين حالته بعد مشاهدة الفيلم بأنه: «شعر بجسده لا يقوى على الحراك وأسرع نبضه، وتصبّب عرقه، وتملكه إحساس باليأس»، وهذا ما حصل معنا، وبدرجة أكثر مع زميلنا الضيف.