الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

«غرب إفريقيا».. الإرهابيون ولعبة الغرب

«غرب إفريقيا».. الإرهابيون ولعبة الغرب
محمد مسعود الأحبابي باحث سياسي ـ الإمارات

من يتابع عن كثب تحركات التنظيمات الجهادية والتكفيرية في القارة السمراء، يتأكد أن يداً خفيّة تجهّز غرب إفريقيا لتكون مسرحاً جديداً للعمليات الإرهابيّة، بعد الانهيار الذي تعرضت له التنظيمات في كلّ من سوريا والعراق، مستغلة عدم الاستقرار الأمني الذي يسود أغلب بلدان المنطقة لكثرة الصراعات القائمة بين الجماعات الإرهابية، مثل: بوكو حرام، والقاعدة.

الملاحظ أن تنظيمات الشر الشيطانية، عندما تنوي زرع بقعة إرهابية في دولة ما تمدّها بالمال والسلاح، فالمليارات التي تُدفع في الشام والعراق وليبيا صارت تُدفع اليوم في نيجيريا ومالي وبوركينافاسو، والأسلحة والذخائر التي لم تنقطع عن شمال سوريا وغرب ليبيا كان لدول غرب إفريقيا مؤخراً نصيب منها.


هنا يجب أن ندقّق النظر في خريطة التنظيمات الإرهابية وجغرافيّتها الواسعة، بعدما تواجدت دولة للتنظيم الإرهابي الأوسع انتشاراً باسم دولة الخلافة الإسلامية بالعراق والشام «داعش»، ومثلها بليبيا وشمال مالي والكاميرون ونيجيريا، وإن اختلفت مسمياتها، لذلك علينا أن نتساءل: لماذا يتم تلغيم غرب إفريقيا وشمالها بالتنظيمات الإرهابية؟ قد يكون ذلك للأسباب الآتية: أولاً: كي تقوى لُحمة النسيج الإرهابي في إفريقيا بعدما تكون نيجيريا وكراً لتصنيع الإرهاب، وتصديره لدول غرب إفريقيا وليبيا.


ثانياً: إدخال غرب إفريقيا وشمالها إلى مسرح الأحداث العالمي، فبعدما تطل داعش بوجهها المشؤوم داخل الدولة المستهدفة، تنقضّ عليها الغربان متعددة الأجناس لتنهش الجثث المترامية، الناتجة عن الحروب بين فصائل الدولة المتناحرة، في دوامة من الفوضى والدماء، وهو ما تجلَّى بوضوح مؤخراً في الحرب السورية والليبية.

ثالثاً: تطويق المنطقة العربية من العراق شرقاً إلى نيجيريا غرباً بـ(حزام قاعدي ناسف)، يمتد من غرب إفريقيا مروراً بدول شمال القارة، وصولاً إلى حلقة الربط الهامة بين سيناء وقطاع غزة حتى لبنان وسوريا ثم العراق.

رابعاً: أينما وُجد النفط وجدت آثار أقدام القوى الدولية، وآثار غرس أنيابها، فنيجيريا تحتل المركز الثاني في الاقتصاد الإفريقي، وأغلب احتياجات الولايات المتحدة النفطية تأتي من غرب إفريقيا، والآن تخطط واشنطن للاستغناء التام عن الخليج العربي كمورد مستقبلي للنفط.

إنَّ جماعة «بوكو حرام»، أو «طالبان نيجيريا» بعد مبايعتها لتنظيم «داعش» الإرهابي، وارتكابها العديد من المجازر بحق المسيحيين والمسلمين المعتدلين في نيجيريا خلبت أنظار الشر العالمي، ولولا ما تفعله داعش في العراق، وجبهة النصرة في سوريا، وسرايا الدفاع عن بنغازي في ليبيا، لأصبحت جماعة بوكو حرام النجم الأوحد في عالم الإرهاب.

وما يدعو للعجب أن الاسم الإعلامي لجماعة «بوكو حرام» يعني باللغة الهوساوية (التعليم الغربي حرام)، فالحركة تنطلق من تجهيل المجتمع، وتكفير دول الغرب، وتحريم فكرها، وتضم الجماعة - في أغلبها - مجموعة من الطلبة الذين غُسلت عقولهم، وتركوا تعليمهم من أجل تنفيذ عمليات إرهابية تناهض الفكر الغربي، وتمتد إلى مؤسسات الدولة وطوائفها كافة، وفي النهاية من المستفيد؟ إنها دول الغرب الباحثة عن النفط في إفريقيا وغيرها.

تُرى مَن مؤسس هذه الجماعات؟ أو قل - إن شئت - مَن المحرّض على نشأتها، التي تكفّر كل من يشتمّ رائحة الغرب التي من الصعب حجبها عن الأنوف بعد انفتاح العالم؟

لقد تخلَّى مسرح الإرهاب العالمي عن واقعيته وصار مسرحاً هزليّاً يضم مجموعة من الدمى لا يُرى من يحركها إلا للذي يدقق النظر.

وبالنظر إلى المعطيات سالفة الذكر، نتيقن أن الغرب هو المستفيد من هذه الصراعات، وبالنظر أيضاً إلى حركة «بوكو حرام»، وما يشابهها نقول: إن «الفكر الغربي يناهض الفكر الغربي»، بدليل أنهم يزرعون تكفير الفكر الغربي في العقليات المتحجرة، لتكون بداية الانطلاق القوية والعشوائية في آن واحد، وبالتالي تتسع رقعة الإرهاب في كل الدول الإفريقية بحجة تكفير الغرب، مع أن الغرب نفسه هو صانع هذه الحيلة.