الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تجارب الأمم.. وصفعة الرُّشْد

تجارب الأمم.. وصفعة الرُّشْد
ليث نالبانديان كاتب عراقي مقيم في فرنسا

شكّلت الذاكرة البشريّة حجر الزاوية في بناء المقدرة على الاتعاظ والاعتبار من مآلات الأحداث التاريخية المتراكمة ـ المعلومة منها والمجهولة ـ التي عصفت بالأمم، وخلفت تجارب مريرة راح ضحيّتها مستقبل أجيال عديدة، ناهيك عن زهق أرواح الكثيرين.

وحين نستحضر بعضاً من تلك التجارب، نجد أن الأقرب إلينا ـ عصريّاً ـ التجربتان اليابانيّة والألمانيّة، بحيث تبدو خير مثال لأوطان، بل لشعوب، حافظت على ذاكرتها فتعلّمت من كبواتها، وتمعّنت في أسبابها مستلهمة منها الدروس والعبر، فقد شرع الشعبان ـ الياباني والألماني ـ منذ لحظة السقوط إلى بناء الإنسان الذي هدمته الحروب عوض التباكي على الأطلال وجلد الذات، خلافاً لذلك، لم تتعظ مجمل الشعوب العربيّة من دروس تاريخها، المحمّل بتجارب أليمة دمّرت كرامة الإنسان دون اعتبار.


وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول: إن الأمم التي احتفظت بذاكرة قويّة، نهضت بأوطانها من تحت ركام الحروب والنزاعات باجتهاد متعقّل، أحدث تغيراً في كل مجالات الحياة، أما تلك التي نست أو تناست تاريخها، فقد وقعت فريسة تكرار السقطات. لذا، فإن من لا يسترجع ويراجع تجاربه بغية التعلم من الدروس وتصحيح المسارات، كمن يدفن حاضره ومستقبله تحت جبل صخريّ.


قد يكون للفخ الزمني دور كبير في ضمور ذاكرة الشعوب، فكلما اتسعت الفجوة الزمنية بين الحدث التاريخي واللحظة الآنيّة، قلل الإنسان من شأن الواقع بجهل عفوي أو بأنانيّة أعمته عن الاعتبار، ناهيك عن غياب أو تغييب دور العائلة في إنعاش ذاكرة الأجيال بتاريخها الغني بالعبر.

إن الدول بمجتمعاتها وحكوماتها بحاجة إلى صفعة تُعيد إليها رشد ذاكرتها، لتلتفت إلى ماضيها وتحني كبرياءها من أجل تغيير نهج، لم يجلب إلا الدمار ورهن مصائر الشعوب في أياد استأصلت الضمير ونسفت الذاكرة.