الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«أبو جرير».. وفخ الإعلام التركي

«أبو جرير».. وفخ الإعلام التركي
ظلال عبدالله الجابري كاتبة ـ تركيا

سأل رجل جريراً الشاعر المشهور: من أشعر الناس؟ فأخذ الرجل إلى أبيه ليراه، فوجده شيخاً ذميماً رث الهيئة، قد اعتقل عنزاً يمص اللبن من ضرعها مخافة أن يسمع أحد صوت الحلب، فيطلب منه، فقال جرير: «أشعر الناس من فاخر بمثل هذا الأب 80 شاعراً، وقارعهم به، فغلبهم جميعاً».

في هذه القصة دلالة على تأثير قوة الآلة الإعلامية، وقد كان للشعر في ذلك الزمان تأثيرعلى الناس وعلى تصوراتهم، حتى إنه يصنع من كيان صغير الحجم أو أمر قليل الأهمية شيئاً ضخماً، مقنعاً للناس بضخامة عظمته وأهميته.


تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ مقالاً للكاتب الصحفي محمد الحمادي في جريدة الرؤية بعنوان: «مقاطعة تركيا.. فخ تركيا»، قال فيه: «نظام أردوغان يعرف كيف يتلاعب بمشاعر العرب والمسلمين، وأصبح يجيد استغلال الشعارات والرموز الدينية لتحقيق أجندته وأهدافه السياسية، ولو كان ذلك على حساب خير البشر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والمتاجرة بذلك دون مراعاة لمكانة النبي التي يفترض أن نبعده عن أي إساءة أو استغلال سياسي».


الملاحظ أن نظام أردوغان الإعلامي يحاول أن يصنع منه ما صنعه جرير بشعره مع أبيه كياناً ضخماً، مع أن الواقع في كلتا الحالتين مغاير تماماً عن الصورة المصنوعة، فنظام أردوغان متداعٍ تلاحقه الأزمات السياسية والاقتصادية، وتُهَم الفساد واستغلال النفوذ، وقد نُشر في العين الإخبارية (28-6-2020) تقرير بعنوان «صحيفة ألمانية: عائلة أردوغان تعيش ببذخ وأتراك ينتحرون فقراً»، حيث هاجمت صحيفة «أوغسبورغ ألغماينه» عائلة أردوغان قائلة: إن «أردوغان وعائلته يعيشون في رفاهية وبذخ وأموال بلا حساب في وقت ينتحر فيه الآباء في تركيا لأنهم لا يملكون إطعام أطفالهم»، وأضافت الصحيفة الألمانية أيضاً: «عادة ما يؤكد أردوغان على أصوله المتواضعة لتقديم نفسه كرجل شعبي، وقريب من الناس، ولكن هذا لا يعدو كونه دعاية انتخابية».

من ناحية أخرى، نشر في موقع سي إن إن بالعربي 26-10-2020 خبراً بعنوان: «معارض تركي ينشر فيديو رد فعل أردوغان لشكوى مواطن، وتصريح « اشرب شاياً».

حيث جاء في نص الخبر تعليق صفحة شؤون تركيا المعارضة على ما جرى بين أردوغان والعمال الأتراك في الفيديو قائلة: «أردوغان كان في ملاطيا أمس الأحد، مجموعة من المواطنين الأتراك قالوا له: نحن عاطلون، ولم نعد نستطيع شراء الخبز لبيوتنا، فرد المتغطرس أردوغان رداً صادماً، قال لهم: «كلامكم مبالغ فيه، عندما تقولون إننا لا نستطيع أخذ الخبز إلى المنزل»، وسخر منهم قائلاً: «اشربوا شاياً، هذا الشاي لذيذ»، وتركهم ومشى.. في رده يذكّرنا برد الملكة «ماري أنطوانيت» عندما قيل لها: «الشعب الفرنسي جائع لا يجد خبزاً»، فردت عليهم: «فليأكلوا البسكويت»، وقيل إن ردها هذا كان أحد أسباب قيام الثورة الفرنسية.

وهناك مئات من تقارير مشابهة تؤكد أن أردوغان أبعد ما يكون عن الصورة، التي يصورها بها إعلامه الناس، وإنما هو كما ذكر الكاتب محمد الحمادي في مقاله، إنما يستغل الرموز الدينية لتحقيق أهدافه السياسية، مستخدماً الكلام الكبير لا أكثر الذي لا يكلف شيئاً، كعادة الشعراء العرب الذين يقول أحدهم وهو الشاعر عمرو بن كلثوم:

إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ

تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا

فأردوغان أول من قدم تعازيه للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقتل المدرس صمويل باتي، والرد المناسب على هذا الأسلوب يكون بعدم التجاوب معه، حتى نحفظ سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونبعدها من أن يتاجر بها أردوغان أو غيره لإبعاد الأنظار، أو لتحقيق مكاسب سياسية.