السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الجيوش الإلكترونية.. وتسويق الرأي العام

الجيوش الإلكترونية.. وتسويق الرأي العام
ليث نالبانديان كاتب عراقي مقيم في فرنسا

أسهمت الجيوش الإلكترونيّة، أو كما يحلو للبعض تسميتها بـ(الذباب الإلكتروني)، بشكل ملموس، في تفتيت الانتفاضة التشرينيّة في العراق، بعد أن أنتجت الأحزاب الفاسدة شعبًا رديفًا ثانيًا مزيّفًا يَنشط على وسائل التواصل الاجتماعي مروّجًا لأفكار الطبقة السياسيّة الحاكمة، ومستميتًا في الدفاع عنها.

وعلى الرغم من الصحوة الشعبيّة الكبيرة التي انطلقت في تشرين من العام الماضي، واتّشحت بها سوح المحافظات، إلا أن شعلة النخبة الشبابيّة اتجهت شيئا فشيئا ــ لأسباب عديدة ــ نحو الإنطفاء ولو إلى بعد حين.


وبالرغم من القمع المتواصل من قتل وخطف وتهديد، والذي رافق هذه الانتفاضة على مدار عام كامل، لا يستتر عن العلن الدور الخسيس الذي قامت به هذه الأحزاب عن طريق تجنيد قطيع إلكتروني يقدّس زعماء الإسلام السياسي، ويأتمرون بأمرهم بغية الاتّكاء على تأييد افتراضي يحميهم من سقوط مدوّي لنظام امتّص مقدّرات شعبه، وأرهقه بصراعات داخليّة وخارجيّة استنزفت ثرواته البشريّة منها والماديّة.


لذلك، ولكي تحرّك هذه الأحزاب الرأي العام وتكسب الدعم بشتّى الطرق، لا ينبغي بالضرورة جمع التواقيع أو الخروج في مظاهرات مؤيّدة والقيام باستطلاعات، عليك فقط التوجّه إلى منصات التواصل الاجتماعي ودفع المال لقطيع باع الضمير بأبخس الأثمان ليفتح له عدّة حسابات بأسماء وهميّة ولائيّة، تهجم وتتهجّم على كل من يدافع عن حقوق الشعب العراقي، ويطالب بمحاسبة الفاسدين ونزع السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، فينهالون عليه بالشتم والسباب تارة، وتارة أخرى يقومون بحملات للتبليغ على حسابات الناشطين والمؤثرين في الحراك الشعبي من أجل تعطيلها وإغلاقها، وهنا تنفضح هشاشتهم وخوفهم الكبير، فكم هم يرتعدون من كلام الحق الهادر من حناجر المنتفضين في الساحات والمنصّات.

هذه الجماعات الهاربة من الواقع والمختبئة خلف لوحات المفاتيح، أخذت لنفسها أسماءً وصورًا وهميّة فهي خائفة إذ تغرق في جهل مقنّع، امتنعت عقولهم عن تفعيل ضمائرها وباتوا دُمًا وُضعت بين أيديهم تكنولوجيا تم ابتكارها من أجل خير البشريّة لا العبث بها وإساءة استعمالها، وهؤلاء المستخدمون الوهميون نجحوا بشكل نسبيّ في رسم أغلبيّة مشبوهة على المنصات الإلكترونيّة سوّقت لرأي عام شاذ، قلّصت به رأي الأغلبيّة الحقيقيّة التي تمثّل رأي الشعب العراقي، وهذه الأخيرة تفعل ما بوسعها، وتُقاوم هذه الموجات الوهميّة عن طريق حظر ما يُمكن حظره من حسابات العملاء هذه، لتكبّدهم عناء إنشاء أخرى، وهكذا تستمر المواجهة الإلكترونيّة، مع ضرورة الصمود أمام شراسة المُدافعين إذ يتطلب من الشعب الحقيقي نفسًا طويلا يصمد في وجه جيوش المتعقبين والمتربصين الافتراضيّة لكل من ينطق بكلام الحق.

لقد هبّت هذه الجيوش لتحمي استئثار الأحزاب بالسلطة خصوصًا، بعد الإعلان عن موعد الانتخابات المُبكرة في حزيران المقبل، والتي ستكون بمثابة الفرصة الحاسمة للنخب العراقيّة لاستئصال الأورام الحاكمة، وهذه الأخيرة ستستميت في الحفاظ على مغانمها وديمومتها دون جدوى، فإن كانت قد نجحت في استنساخ أتباعها إلكترونيًّا (افتراضيًّا)، فلن تنجح في استنساخهم واقعيّاً، إذ سيكون الوعي الوطني الشعبي في الموعد هذه المرّة، وسيكتب بإرادته قراره في تغيير هذه الوجوه وإزاحتها عن الوطن عبر صناديق الاقتراع، بعد أن جثمت على أنفاس شعبه وأوغلت في كبت حرّيّاته.

ستطول هذه الحرب الإلكترونيّة، وستدور رحى معاركها بضراوة، لكن النصر ـ بلا شك ـ سيكون حليف المواطنين الحقيقيّن، أصحاب الهويّة الحقيقيّة، الذين يعشقون وطنهم، ويُضحّون من أجل ترابه، أملاً بأرض يجدون فيها كرامة مسلوبة طال غيابها، وسيكون للوعي الجماهيري مسؤوليّة كبيرة في لفظ الفساد المقدّس، وكتابة تأريخ جديد تَشرق فيه شمس العراق الغائبة.