الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

تحديات الديمقراطية.. وسؤال الصمود

تحديات الديمقراطية.. وسؤال الصمود
بعد انهيار وتفكك منظومة الاتحاد السوفييتي عام 1989، نجحت الديمقراطية الغربية في تسويق شعاراتها عالميّاً كحلول سياسية مُثْلى للشعوب والأنظمة الأخرى، بل استعملتها بعض القوى الغربية كجزء من أوراق الضغط السّياسي في تعاملاتها الخارجية.

أما بالنسبة لبيئتنا فقد ظلَّت الفكرة عصيّة على تطويع الذهنية العربية، واكتفت بمجرد مظاهر سلبية لا تتعدى في نمطيتها السياسية فكرة المحاصصة في توزيع المناصب والحقائب الوزارية على القوى السياسية السائدة، كما هي حال التجارب المؤلمة في العراق ولبنان واليمن.

وفي المحصِّلة النهائية، فإن التجارب العربية المختلفة لم تسفر في حقيقتها عن تقديم حلول ناجعة للمشكلات المجتمعية المتراكمة، مثل: الفقر والبطالة والتنمية الاقتصادية، بقدر ما كانت بوابة خفية لتسلل النفوذ الخارجي عبر شراء ذمم الأحزاب المحلية كما نراها جلية في حالة «حزب الله» أو«أنصار الله» أو أحزاب الإخوان المتأسلمة بمسمياتها المختلفة، والمنتشرة في كثير من دولنا العربية.


لقد اكتفى الإعلام الغربي حينها بإظهار مزايا ومحاسن الديمقراطية الغربية دون التطرق إلى جانب المساوئ الإدارية حتى عصفت كورونا بالعالم، وكشفت الجائحة جزءاً مهماً من مثالب الآلية الديمقراطية التي هي في حقيقتها نتاج سنين من التجارب والممارسات، لا سيما عدم قدرتها السريعة على احتواء الأزمات الوبائية، ما اضطر بعض تلك الديمقراطيات إلى ممارسة سلوكيات لا تنتمي إلى منظومة الفكر الديمقراطي.


هنا يطرح السؤال الآتي: هل ستتسبب جائحة فيروس كوفيد-19 في إعادة النظر في مفهوم الديمقراطية بصيغته الآنية، وتحويره مستقبلاً إلى نمطية حديثة تكون أقرب لفكرة الحكومة المركزية؟ لنتأمل في المشاهد الدولية الراهنة للدول التي نجحت في التعامل مع الفيروس واحتواء الأزمة الصحية، سنجدها دولاً مركزية، لعل أهمها: دول كبرى تُصنّف في الجهة المضادة للولايات المتحدة الأمريكية، ولا تنتمي للمنظومة الديمقراطية الغربية، منها على سبيل المثال: الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وهي دول نجحت تماماً في إبراز هوية نظام القيادة الواحدة وقدراته الفاعلة على مواجهة الأزمات الوبائية الطارئة.

وهناك على الصعيد العالمي، معضلة أخرى تواجهها الديمقراطية الغربية داخل مجتمعاتها وفي علاقاتها الدولية، وتتجلى في تعاظم نفوذ شركات التكنولوجيا العملاقة، بحيث أصبحت قادرة على اتخاذ قرارات بديلة عن الأنظمة والحكومات، أو على الأقل تؤثر بشكل مباشر في صنع قراراتها.

يضاف إلى ذلك، تنامي الشكوك الإعلامية باستمرار حول تعاظم قدراتها ونفوذها السياسي في داخل المنظومة الغربية، بشكل يفقد الآلية الديمقراطية مرونتها الفاعلة وقدرتها على تمثيل الاقتراعات الشعبية الحقيقية، ما اضطر الكونغرس الأمريكي إلى استدعاء المديرين التنفيذيين لهذه الشركات وإجراء تحقيق نيابي عام، حول قدرات هذه التقنية المتصاعدة في التأثير الدعائي على مسار الانتخابات النيابية أو الرئاسية، ومدى قدرتها الفعلية على التأثير المجتمعي في الرأي العام الأمريكي.

وفي سياق استمرار التركيز على التحديات التي تواجه الديمقراطية، هناك أحاديث جادة وعميقة لدى وسائل الإعلام الغربية ـ المتأثرة ببعض دراسات مراكز الأبحاث الاستراتيجية ـ حول فكرة إعادة النظر في بعض مفاهيم الديمقراطية كالحرية المجتمعية بصورتها الفردية الخالصة، والتي تأسست كنتيجة تاريخية آنية لمفرزات وأحداث الثورة الفرنسية في عام 1789، لا سيما أن هناك معطيات جديدة برزت على الساحة السياسية، وهي تنامي الموجات الشعبوية اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة وأوروبا، التي تظهر في حركات وأحزاب قومية عنصرية تعادي القيم الديمقراطية، ولا تؤمن بقيمها التاريخية والثقافية، ولهذا يظل السؤال الأهم مفتوحاً أمام المستقبل: هل ستصمد الديمقراطية الغربية أمام كل هذه التحديات؟