الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

قرارات الحكام وأصوات الشعوب.. العراق نموذجاً

قرارات الحكام وأصوات الشعوب.. العراق نموذجاً
ليث نالبانديان كاتب عراقي مقيم في فرنسا

في السادس من ديسمبر الماضي، مرّت الذكرى المئويّة على تأسيس الجيش العراقي، فأعادت هذه المناسبة للأذهان شريط الذكريات مسترجعة مآثر صور الوطن عبر رحلته خلال قرن من جهة، وخيبات الأنظمة الحاكمة التي تحكّمت بهذا الجيش من جهة أخرى، إذ كان ــ لمرات عديدة ــ أداة تخريبيّة بيد من يمسك بالسلطة، وسبيلاً للوصول إلى مآرب سياسيّة رغماً عن إرادة الشعب منبع ومصدر هذا الجيش، وهذا ما أثّر سلبياً على العلاقات الخارجيّة مع دول الجوار وغيرها من الدول الإقليميّة أو القاريّة، وأسهم في عزل البلد شيئاً فشيئاً عن المحيط الدولي.

ولو خرجنا عن نطاق الشأن العراقي، وألقينا النظر صوب مجمل دول العالم الثالث وحتّى العالم الثاني، لتبيّن لنا أن هذه الدول لم تكُن بمنأى عما جرى ويجري في العراق في الماضي حتّى يومنا هذا، فقد رسمت سياسات هذه الإدارات عبر التاريخ، خرائط العلاقات بين الشعوب، فتارة تسعى إلى تمتين أواصرها، وتارة أخرى هدمها وتوتيرها، سعياً منها إلى بسط النفوذ وتغانم الخيرات وتحصين العروش لأطول فترة ممكنة.


بهذه السياسات المتقلّبة، سيقت الشعوب عنوة نحو الحروب والمقاطعات في أحيان عديدة، أو نحو السلام في أحيان أخرى من دون الأخذ بعين الاعتبار رأي المواطنين، أبناء الوطن وأصحاب الحق في قرارات مصيريّة كهذه، فالمواءمات والخصومات الدوليّة السياسيّة لا تعني بالضرورة مشاطرة الشعوب لها ولقياداتها، ذلك أن إرادة الشعوب العفويّة تنبثق من رؤى وطنيّة تنشد المصلحة العامّة وديمومة السلم العالمي على المدى البعيد، مع صرف النظر عن جل الصفقات المشبوهة التي تُحاك في الغرف المظلمة.


لذلك فالقيادات الحكيمة التي تسعى لخير مواطنيها، هي القيادات التي لا تُقحم مواطنيها في الصراعات الدوليّة والإقليميّة، ولا تزجهم في ميادين السياسة ودهاليزها الخفيّة، بل تنفتح على شعبها بشفافيّة كبيرة، وتعرض عليه الحقائق التي تتعلّق بماضيه وحاضره ومستقبله، بغية تحقيق المكاشفة، وترسيخ الثقة بين الطرفين عوض المتاجرة بالدماء ورهن المصائر بمقامرات خاسرة.

وبالعودة إلى النموذج العراقي نجد أن الشعب لطالما قد تجرّع سموم أنظمته المتعاقبة منذ تأسيسه، وما حروب الخليج إلا مثال علقميّ المذاق، ففي الحرب العراقيّة الإيرانيّة (حرب الخليج الأولى)، أُرغم الشعبان على التحارب والاقتتال لثماني سنوات راح ضحيّتها نحو مليون قتيل من كلا الجانبين بسبب النزاعات الحدوديّة، وذعر حزب البعث الحاكم من سعي الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة إلى تصدير الثورة بالتعويل على الأغلبيّة الشيعيّة المرتكزة في المحافظات الجنوبيّة من العراق.

مثال آخر هو غزو الكويت (حرب الخليج الثانية)، حيث تداعت العلاقات السياسيّة بين الجارتين، وتورّط العراق في خطوة جعلت شعبه يَعض إصبع الندم حتّى اليوم، بسبب مآلات هذا القرار وتأثيراته على مستقبله الدولي والإقليمي والاقتصادي.

إذن، ما الذي جنته الشعوب من تهور الأنظمة في علاقاتها الدوليّة؟ ولماذا أصبحت خيارات الحروب أو السلام بين الشعوب مرهونة بالإرادة السياسيّة الحاكمة حصراً ومزاجها المتقلب والمشروط بمصالح ضيّقة غير وطنيّة؟

يجب أن يُفكر المجتمع الدولي بجديّة في تبنّي قرارات جديدة، تمنح الشعوب حق البت في مستقبل العلاقات مع سائر بلدان العالم في مساعي التطبيع والحروب أو المقاطعات، ليكون عندها صوت الشعب هو الفيصل وصاحب كلمة الفصل، عندها ستنكشف إرادة الأغلبيّة عوض نزوات الأنظمة وقراراتها المتفرّدة.

يبقى صوت الشعوب هو الثابت الوحيد في هذه المعادلة، فالمواطنون هم أبناء الوطن الباقون، أمّا الحكومات فهي مُجرّد كيانات مؤقّتة الوجود، مهما بلغ توسّعها وجبروتها، وهذا ما أثبته التاريخ على مرّ العصور.